الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
54 - الشرط في النكاح

14337 - أخبرنا أبو سعيد ، حدثنا أبو العباس ، أخبرنا الربيع قال: قال الشافعي رحمه الله: فإن قال قائل: فلم لا تجيز عليه ما شرط لها وعليها ما شرطت له؟ قيل: رددت شرطهما إذا أبطلا به ما جعل الله تعالى لكل واحد، ثم ما جعل النبي صلى الله عليه وسلم وبأن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "ما بال رجال يشترطون شروطا ليست في كتاب الله؟ ما كان من شرط ليس في كتاب الله فهو باطل ولو كان مائة شرط، قضاء الله أحق وشرطه أوثق، وإنما الولاء لمن أعتق" ، فأبطل رسول الله صلى الله عليه وسلم كل شرط ليس في كتاب الله جل ثناؤه أو كان في كتاب الله أو سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم خلافه.

14338 - فإن قال قائل: ما الشرط للرجل على المرأة والمرأة على الرجل مما إبطاله بالشرط خلاف لكتاب الله أو السنة أو أمر اجتمع الناس عليه؟ قيل له: إن شاء الله أحل الله للرجل أن ينكح أربعا وما ملكت يمينه، فإذا شرطت عليه أن لا ينكح ولا يتسرى حظرت عليه ما وسع الله عليه [ ص: 236 ] .

14339 - وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا يحل للمرأة أن تصوم يوما تطوعا وزوجها شاهد إلا بإذنه" .

14340 - فجعل له منعها ما يقربها إلى الله إذا لم يكن فرضا عليها لعظيم حقه عليها.

14341 - وأوجب الله له الفضيلة عليها.

14342 - ولم يختلف أحد علمته في أن له أن يخرجها من بلد إلى بلد ويمنعها من الخروج، فإذا شرطت عليه أن لا يمنعها من الخروج ولا يخرجها شرطت عليه إبطال ما له عليها.

14343 - ودل كتاب الله على أن على الرجل أن يعول امرأته.

14344 - ودلت عليه السنة، فإذا شرط عليها أن لا ينفق عليها أبطل ما جعل لها وأمر بعشرتها بالمعروف ولم يبح له ضربها إلا بحال، فإذا شرط عليها أن له أن يعاشرها كيف شاء وأن لا شيء عليه فيما نال منها فقد شرط أن له أن يأتي منها ما ليس له، فبهذا أبطلنا هذه الشروط وما في معناها وجعلنا لها مهر مثلها.

14345 - فإن قال قائل: فقد يروى عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: "إن أحق ما وفيتم به من الشروط ما استحللتم به الفروج" ، فهكذا نقول في سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه إنما يوفى من الشروط لما يبين أنه جائز ولم تدل سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم على أنه غير جائز، وقد يروى عنه عليه الصلاة والسلام: "المسلمون على شروطهم إلا شرطا أحل حراما أو حرم حلالا" ، ومفسر حديثه يدل على جملته [ ص: 237 ] .

14346 - قال أحمد : الحديث الأول الذي احتج به الشافعي قد رواه في موضع آخر بإسناده عن عائشة ، عن النبي صلى الله عليه وسلم في قصة بريرة ، والحديث الثاني قد مضى بإسناده في كتاب الصيام.

14347 - وأما الحديث الذي عورض به فهو فيما.

14348 - أخبرنا أبو عبد الله الحافظ ، حدثنا أبو عبد الله محمد بن يعقوب ، حدثنا أبو عبد الله البوشنجي ، حدثنا ابن بكير ، حدثنا الليث ، عن يزيد بن أبي حبيب ، عن أبي الخير ، عن عقبة بن عامر ، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "إن أحق الشروط أن توفوا ما استحللتم به الفروج" ، رواه البخاري في الصحيح، عن أبي الوليد ، عن الليث ، وأخرجه مسلم من وجه آخر، عن يزيد .

14349 - وأما الذي استشهد به مع ما تقدم من حديث عائشة فهو فيما: أخبرنا أبو بكر بن الحارث الفقيه ، أخبرنا علي بن عمر الحافظ ، حدثنا محمد بن عبد الله بن غيلان ، حدثنا محمد بن يزيد الأدمي أبو جعفر ، حدثنا أبو معاوية ، عن كثير بن عبد الله بن عمرو بن عوف المزني ، عن أبيه، عن جده، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "المسلمون عند شروطهم إلا شرطا حرم حلالا أو أحل حراما" [ ص: 238 ] .

14350 - وقد رواه الشافعي في كتاب حرملة ، عن عبد الله بن نافع ، عن كثير بن عبد الله .

14351 - ورواه سفيان بن حمزة ، عن كثير بن زيد ، عن الوليد بن رباح ، عن أبي هريرة ، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "المسلمون عند شروطهم فيما وافق الحق" وأخبرنا عبد الله بن يوسف الأصبهاني ، أخبرنا أبو سعيد بن الأعرابي ، أخبرنا سعدان ، حدثنا سفيان ، عن ابن أبي ليلى ، عن المنهال بن عمرو ، عن عباد بن عبد الله الأسدي ، عن علي قال: "شرط الله قبل شرطها".

14352 - وروينا عن عمر بن الخطاب في رجل تزوج امرأة وشرط لها أن لا يخرجها قال: فوضع عنه الشرط، وقال: المرأة مع زوجها.

14353 - وروي عنه أنه قال: لها دارها، والرواية الأولى أشبه بالكتاب والسنة، وقول غيره من الصحابة، فهي أولى.

14354 - وبالرواية الأولى قال سعيد بن المسيب ، والشعبي ، والحسن ، وابن سيرين ، وجماعة سواهم.

[ ص: 239 ]

التالي السابق


الخدمات العلمية