الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
13566 - أخبرنا أبو عبد الله ، وأبو بكر ، وأبو زكريا ، وأبو سعيد ، قالوا: حدثنا أبو العباس قال: أخبرنا الربيع قال: أخبرنا الشافعي قال: أخبرنا مالك ، عن عبد الله بن الفضل ، عن نافع بن جبير ، عن ابن عباس ، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " الأيم أحق بنفسها من وليها، والبكر تستأذن في نفسها، وإذنها صماتها " ، رواه مسلم في الصحيح عن يحيى بن يحيى ، وغيره، عن مالك .

13567 - أخبرنا أبو عبد الله الحافظ قال: حدثنا علي بن عيسى الحيري قال: حدثنا إبراهيم بن أبي طالب قال: حدثنا ابن أبي عمر قال: حدثنا سفيان ، عن زياد بن سعد ، عن عبد الله بن الفضل ، عن نافع بن جبير ، عن ابن عباس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "الثيب أحق بنفسها من وليها، والبكر يستأذنها أبوها في نفسها، وإذنها صماتها" ، وربما قال: "وصماتها إقرارها" رواه الشافعي في القديم، عن سفيان بن عيينة ، ورواه مسلم في الصحيح عن ابن أبي عمر .

[ ص: 44 ] 13568 - أخبرنا أبو سعيد ، قال: حدثنا أبو العباس قال: أخبرنا الربيع قال: قال الشافعي : ويشبه في دلالة سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم إذ فرق بين البكر والثيب فجعل الثيب أحق بنفسها من وليها، وجعل البكر تستأذن في نفسها أن الولي الذي عني والله أعلم الأب خاصة، فجعل الأيم أحق بنفسها منه، فدل ذلك على أن أمره أن تستأذن البكر في نفسها أمر اختيار لا فرض، لأنها لو كانت إذا كرهت لم يكن له تزويجها كانت كالثيب، وكان يشبه أن يكون الكلام فيها أن كل امرأة أحق بنفسها من وليها، وإذن الثيب الكلام، وإذن البكر الصمت.

13569 - ولم أعلم أهل العلم اختلفوا في أنه ليس لأحد من الأولياء غير الآباء أن يزوج بكرا ولا ثيبا إلا بإذنها، فإذا كانوا لم يفرقوا بين البكر والثيب البالغين - يعني في غير الأب - لم يجز إلا ما وصفت.

13570 - قال الشافعي : ويشبه أمره أن يستأمر البكر في نفسها أن يكون على استطابة نفسها وبسط الكلام فيه.

13571 - واستشهد في ذلك بقول الله تبارك وتعالى لنبيه صلى الله عليه وسلم: ( وشاورهم في الأمر ) .

13572 - ولم يجعل الله لهم معه أمرا، ولكن في المشاورة استطابة أنفسهم وأن يستن بها من ليس له على الناس ما لرسول الله صلى الله عليه وسلم.

13573 - وقال في موضع آخر في رواية أبي عبد الله والمؤامرة قد تكون على استطابة النفس؛ لأنه يروى أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "وآمروا النساء في بناتهن" .

[ ص: 45 ] 13574 - وقال في موضع آخر: أخبرنا مسلم بن خالد ، عن ابن جريج ، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد "أمر نعيما أن يؤامر أم ابنته فيها" أخبرناه أبو بكر ، وأبو زكريا قالا: حدثنا أبو العباس قال: أخبرنا الربيع قال: أخبرنا الشافعي . . . فذكره.

13575 - قال: ولا يختلف الناس أن ليس لأمها فيها أمر، ولكن على معنى استطابة النفس.

13576 - قال أحمد : أما الحديث الأول ففيما أخبرنا علي بن أحمد بن عبدان قال: أخبرنا سليمان بن أحمد الطبراني قال: حدثني أبو السائب المخزومي قال: حدثنا أحمد بن أبي شيبة الرهاوي قال: حدثنا معاوية قال: حدثنا سفيان ، عن إسماعيل هو ابن أمية قال: أخبرني الثقة، عن ابن عمر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "آمروا النساء في بناتهن" رواه أبو داود ، عن عثمان بن أبي شيبة ، عن معاوية بن هشام .

13577 - وأما حديث ابن جريج فهو منقطع.

13578 - وقد أخبرنا أبو صالح بن أبي طاهر الغنوي قال: أخبرنا جدي يحيى بن منصور القاضي قال: حدثنا أبو بكر محمد بن النضر الجارودي قال: حدثنا أبو مصعب أحمد بن أبي بكر قال: أخبرنا حاتم بن إسماعيل ، عن الضحاك بن عثمان ، عن يحيى بن عروة بن الزبير ، عن أبيه، عن عبد الله بن عمر ، أنه خطب ابنة نعيم بن النحام . . . فذكر الحديث في ذهابه إليه مع زيد بن الخطاب قال: فقال: إن عندي ابن أخ لي يتيم ولم أكن لأنقض لحوم الناس وأثرد لحمي قال: فقالت أمها من ناحية البيت: والله لا يكون هذا حتى يقضي به علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم فتحبس أيم بني عدي على ابن أخيك سفيه، أو قال: ضعيف قال: ثم [ ص: 46 ] خرجت حتى أتت رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخبرته الخبر، فدعا نعيما ، فقص عليه كما قال لعبد الله بن عمر ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لنعيم : "صل رحمك، وأرض ابنتك وأمها، فإن لهما في أمرهما نصيبا" .

13579 - وهذا إسناد موصول.

13580 - أخبرنا أبو عبد الله ، وأبو زكريا ، وأبو بكر ، وأبو سعيد ، قالوا: حدثنا أبو العباس قال: أخبرنا الربيع قال: أخبرنا الشافعي قال: أخبرنا مالك ، عن عبد الرحمن بن القاسم ، عن أبيه، عن عبد الرحمن ، ومجمع، ابني يزيد بن جارية ، عن خنساء بنت خذام : "أن أباها زوجها وهى ثيب وهي كارهة فأتت النبي صلى الله عليه وسلم فرد نكاحها" أخرجه البخاري في الصحيح من حديث مالك وله شواهد تشهد له بالصحة.

13581 - قال الشافعي في رواية أبي سعيد : فأي ولي امرأة ثيب أو بكر زوجها بغير إذنها، فالنكاح باطل، إلا الآباء في الأبكار والسادة في المماليك؛.

13582 - لأن النبي صلى الله عليه وسلم رد نكاح خنساء بنت خذام حين زوجها أبوها كارهة ، ولم يقل إلا أن تشائي أن تبري أباك فتجيزي إنكاحه لو كانت إجازته إنكاحها تجيزه أشبه أن يأمرها أن تجيز إنكاح أبيها.

[ ص: 47 ] 13583 - قال أحمد : وقد روى جرير بن حازم ، عن أيوب ، عن عكرمة ، عن ابن عباس : "أن جارية بكرا أتت النبي صلى الله عليه وسلم فذكرت له أن أباها زوجها وهي كارهة فخيرها النبي صلى الله عليه وسلم" .

13584 - وهذا خطأ، إنما رواه حماد بن زيد وغيره، عن أيوب ، عن عكرمة ، عن النبي صلى الله عليه وسلم مرسلا.

13585 - قال أبو داود : هكذا رواه الناس مرسلا معروفا.

13586 - قال أحمد : ورواه عبد الملك بن عبد الرحمن الذماري ، عن الثوري ، عن هشام الدستوائي ، عن يحيى ، عن عكرمة ، عن ابن عباس ، وهو أيضا خطأ.

13587 - قال الدارقطني ، فيما أخبرني أبو عبد الرحمن السلمي وغيره عنه: هذا وهم، والصواب عن يحيى ، عن المهاجر ، عن عكرمة مرسل، وهم فيه الذماري على الثوري وليس بقوي.

13588 - قال أحمد : هكذا رواه الثوري في "الجامع" مرسلا، وهكذا رواه غيره، عن هشام .

13589 - ورواه شعيب بن إسحاق ، عن الأوزاعي ، عن عطاء ، عن جابر ، وهو وهم، والصحيح رواية ابن المبارك والجماعة، عن الأوزاعي ، عن إبراهيم بن مرة ، عن عطاء ، عن النبي صلى الله عليه وسلم مرسلا قاله الدارقطني وغيره من الحفاظ.

[ ص: 48 ] 13590 - وفي حديث عبد الله بن بريدة قال: جاءت فتاة إلى عائشة ، فقالت: إن أبي زوجني ابن أخيه ليرفع بي خسيسته، وإني كرهت ذلك، فجاء النبي صلى الله عليه وسلم فذكرت ذلك له، فجعل أمرها إليها فقالت: إني أجزت ما صنع والدي، إنما أردت أن أعلم هل للنساء من الأمر شيء أم لا؟ .

13591 - وهذا منقطع، ابن بريدة لم يسمع من عائشة قاله الدارقطني فيما أخبرني أبو عبد الرحمن وغيره عنه.

13592 - وقد أخبرنا علي بن أحمد بن عبدان قال: أخبرنا أحمد بن عبيد الصفار قال: حدثنا ابن أبي قماش قال: حدثنا أبو ظفر عبد السلام بن مطهر ، عن جعفر بن سليمان ، عن كهمس بن الحسن ، عن عبد الله بن بريدة ، عن يحيى بن يعمر ، عن عائشة زوج النبي صلى الله عليه وسلم: أن امرأة جاءت إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقالت: إن أبي زوجني من ابن أخيه يريد أن يرفع خسيسته، فهل لي في نفسي؟ - يعني أمرا - قال: "نعم" قالت: إذا لا أرد على أبي شيئا فعله، ولكن أحببت أن يعلم النساء أن لهن في أنفسهن أمرا.

13593 - هكذا وجدت هذا الحديث في مسند أحمد بن عبيد موصولا بذكر يحيى بن يعمر في إسناده.

13594 - وقد رواه ابن عبيد ، عن محمد بن غالب تمتام ، عن عبد السلام ، دون ذكر يحيى بن يعمر فيه.

13595 - وكذلك رواه أحمد بن منصور الرمادي ، عن عبد السلام .

13596 - وكذلك رواه وكيع ، وعلي بن غراب ، عن كهمس بن الحسن ، ورواه عبد الوهاب بن عطاء ، وعون بن كهمس ، عن كهمس ، عن ابن بريدة قال: جاءت فتاة إلى عائشة [ ص: 49 ] .

13597 - وبمعناه رواه القواريري ، عن جعفر بن سليمان ، عن كهمس .

13598 - وفي إجماع هؤلاء على إرسال الحديث دليل على خطأ رواية من وصله والله أعلم.

13599 - قال أحمد : وليس في شيء من هذه الروايات ذكر التثييب والبكارة، وفيها أنه أراد أن يرفع بها خسيسته فكأنه لم يكن تزويج غبطة، فخيرها والله أعلم.

التالي السابق


الخدمات العلمية