[2] المصـادر:
في المصادر التاريخية المعتمدة، معلومات غزيرة عن المعارك المختلفة خاضها قادة العرب والمسلمين، تغطي الناحية العملية من حياة القادة تغطية كاملة أو قريبة من الكمال.
ولكن كتابة سير القادة العرب والمسلمين، تشمل سيرهم قادة وسيرهم بشرا، ولا ينبغي الاقتصار على سيرهم قادة، وإبراز سماتهم العسكرية، والسكوت عن أية سمة لأي قائد إنسانا، فذلك وحده يكمل الصورة لتاريخ القادة العسكرية وغير العسكرية.
وقد كان عمل القادة في الغالب، لا يقتصر على العمليات العسكرية، بل يشمل القضايا الإدارية؛ لأنهم كانوا ولاة يمارسون الإدارة، وقادة يمارسون القيادة، وتاريخهم الإداري لا يقل أهمية عن تاريخهم العسكري، وتاريخهم الرسمي قادة وإداريين جزء من تاريخهم الكامل، فينبغي تدارس تاريخهم بشرا يأكلون الطعام ويمشون في الأسواق، ويعملون عمل سائر البشر، زواجا وإنجابا، ولهم سماتهم البشرية مزايا ومآخذ، ليكون تاريخهم كاملا جهد الإمكان، بحيث يستطيع الذي يدرس تاريخهم أن يتصور أي نوع من البشر كانوا في حياتهم بالإضافة إلى تصورهم أي نوع من القادة والولاة. [ ص: 68 ]
والمصادر غير التاريخية التي تفيد في كتابة تاريخ القادة تكاد لا تعد ولا تحصى، ولكن ليس من السهل كتابة تاريخهم؛ لأنه لا تتيسر دراسات خاصة مستقلة لكل قائد، بعكس المفسرين والمحدثين والمؤرخين والفقهاء والأدباء والشعراء والنحاة واللغويين والصوفية والأطباء والفلاسفة وأصحاب الملل والنحل ومختلف العلماء العرب والمسلمين في مختلف العلوم، فلكل واحد من هـؤلاء الأعلام دراسة خاصة مستقلة.
أما القادة العرب والمسلمون، فينبغي للذين يحبون أن يكتبوا تاريخهم، أن يجمعوا شتات ما جاء عن كل واحد منهم من مختلف المصادر التاريخية والأدبية والعلمية، ومصادر التفسير والحديث والأنساب والفروسية والمعجمات وغيرها، ليبنوا سيرتهم من جديد لأول مرة في التاريخ لبنة لبنة بجهد جهيد ودأب متواصل وعمل شاق وصبر جميل.
وكل مصدر من المصادر يذكر القادة بالنسبة لاختصاص ذلك المصدر:
مصادر التاريخ تذكر معاركهم وأعمالهم الإدارية ولاة وقادة، وكتب الحديث تذكر عدد الأحاديث التي رواها، وأسماء الرواة الذين أخذوا عنهم وأسماء الرواة الذين أخذوا منهم ومبلغ الثقة بهم، وكتب الأدب تروي محلهم الأدبية وأقولهم السائرة، وخطبهم وأحاديثهم البليغة وشعرهم ونثرهم، وما قيل فيهم من الشعر في المدح أو الهجاء، وكتب الأنساب تتحدث عن أنسابهم وعن أعقابهم وذريتهم وأزواجهم، وكتب الفروسية تروي نتفا من فروسيتهم.
ولا أعرف مصدرا عربيا إسلاميا معتمدا يمكن الاستغناء عن دراسته، لاستكمال كتابة تاريخ القادة، فلا بد أن يكون المؤلف خبيرا بالكتب والمكتبات، مغرما بالقراءة والتتبع، يلتقط كل كلمة أو جملة تفيده في دراسته وتأريخه. [ ص: 69 ]
ولكي يبني قصة حياة قائد من القادة، عليه أن يدرس عشرات المصادر المعتمدة بل مئات المصادر، حتى يستطيع إبراز سيرته قائدا وإنسانا، وكل جهد ووقت ومال ينفق من أجل تحقيق هـذا الهدف الحيوي يهون، والمهم أن نبدأ الطريق الطويل الشاق، وكل بداية في كل مسيرة طويلة شاقة، تبدأ بالخطوة الأولى، ثم تتعاقب الخطوات خطوة بعد أخرى، حتى يصل إلى المثابة المرجوة بالمثابرة والإصرار والاستمرار.
إن قراءة مصدر واحد عن قائد من القادة لا يكفي أبدا، فيجب قراءة المصادر كافة مهما يبلغ تعدادها، لأن إخراج سيرة قائد واحد بشكل متكامل أو قريب من الكمال، أجدى وأبقى من إخراج سير عدة قادة بشكل ناقص أو مشوه أو مبتور.