الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                  [2] بصيص النور في الظلام:

                  وبعد غزو التتار لبلاد المسلمين أصبحت المعارك الدفاعية الناجحة للمسلمين هـزائم شنيعة تعاقبت على المسلمين؛ فانهار المسلمون قوة عالمية لها وزن واعتبار، وبقي الإسلام قوة حضارية عالمية.

                  وانهزم المسلمون عسكريا أمام التتار، ولكن الإسلام انتصر على [ ص: 33 ] التتار، فلم يلبثوا إلا قليلا على شركهم حتى اعتنقوا الإسلام.

                  ولكن المعارك الدفاعية الإسلامية التي بدأت سنة مائة الهجرية لم تخل من معارك هـجومية منتصرة، فقد فتح أسد بن الفرات جزيرة صقلية سنة ثلاث عشرة ومائتين الهجرية (828م) ، واستعاد صلاح الدين الأيوبي فتح القدس من الصليبيين سنة ثلاث وثمانين وخمسمائة الهجرية (1187م) ، كما استطاع السلطان قطز في معركة ( عين جالوت ) الانتصار على التتار على أرض فلسطين سنة ثمان وخمسين وستمائة الهجرية (1260م) ، أي بعد انتصارهم على العباسيين في بغداد بسنتين فقط، فكانت هـذه المعارك بصيصا من النور في وسط الظلام الدامس.

                  وفتح محمد الفاتح القسطنطينية سنة سبع وخمسين وثمانمائة الهجرية (1453م) ، فكانت هـذه المعركة بصيصا رابعا من النور وسط الظلام، بعد تلك المعارك الثلاث المنتصرة.

                  وبلغ انهيار المسلمين أقصى مداه في أواخر القرن التاسع عشر وأوائل القرن العشرين الميلاديين؛ إذ غزاهم الاستعمار في عقر دارهم، وسيطر على بلادهم، ولم ينج بلد إسلامي من الاستعمار إلا شبه الجزيرة العربية وأفغانستان .

                  وفي سنة ثمان وستين وثلاثمائة وألف الهجرية (1948م) ، اقتطع العدو الصهيوني قسما من فلسطين ، وخلق له كيانا في ذلك الجزء من البلاد العربية بمعاونة الاستعمار، وفي سنة سبع وثمانين وثلاثمائة وألف الهجرية [ ص: 34 ] (1967م) استطاع ذلك العدو السيطرة على فلسطين كافة، وأجزاء من سورية والأردن ومصر ، وهذا هـو قمة ما وصل إليه المسلمون من ذل وهوان.

                  وإعادة كتابة المعارك العربية الإسلامية من جديد بأيد أمينة قادرة في غاية الأهمية بالنسبة لمعارك الفتح واستعادة الفتح؛ لأنها المفاخر الأولى والأخيرة للعرب والمسلمين، ولأنها أثبتت عمليا بأن هـذه الأمة قادرة على الفتوح وعلى استعادة الفتوح بالنصر على الأمم الأخرى، وأن مكانها ليس الذل والهوان، بل المجد والعز إن أعدت قواتها بالإيمان والسلاح والاتحاد.

                  ولكن أهمية إعادة كتابة المعارك العربية الإسلامية لا تقتصر على معارك الفتح ومعارك استعادة الفتح، باعتبارها صفحات مضيئة في تاريخ العرب والمسلمين المجيد، بل تشمل المعارك الدفاعية الناجحة والمعارك الدفاعية الخاسرة؛ لكي نعرف -عربا ومسلمين- لماذا انتصرنا؟ ولماذا اندحرنا؟ وكيف يمكن أن ننتصر؟ وكيف يمكن أن نتحاشى الاندحار؟

                  إن الدروس المستنبطة من المعارك كافة، والعبر التي نتعلمها من دراسة تلك المعارك كافة بها أعظم الفائدة لحاضر العرب والمسلمين ومستقبلهم.

                  وهذه هـي فائدة التاريخ لكل أمة من الأمم؛ لأن الماضي هـو دعامة الحاضر وأمل المستقبل، فلا ينبغي إهماله أو إلغاؤه، كما لا ينبغي استنساخه بدون إبراز دروسه المفيدة وعبره النافعة، فالأمة التي لا تاريخ [ ص: 35 ] لها كالشجرة التي لا جذور لها، تموت غدا إن لم تكن قد ماتت اليوم أو بالأمس القريب أو البعيد.

                  التالي السابق


                  الخدمات العلمية