الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                  [3] التدريب على السـلاح:

                  لا قيمة لأي سلاح من الأسلحة إلا باستعماله، والتدريب على استعمال السلاح تدريبا راقيا دائبا هـو الذي يؤدي إلى استعماله بكفاية، والمقاتل المدرب على استعمال سلاحه هـو وحده يستطيع استعماله بنجاح، أما المقاتل غير المدرب فلا يستفيد من سلاحه كما ينبغي، والمدرب يستطيع التغلب على غير المدرب بسهولة ويسر.

                  ومن الضروري أن يثق المقاتل بسلاحه، والثقة تتم بالتدريب على استعمال السلاح، فإذا كان المقاتل لا يثق بسلاحه لضعف تدريبه أو لضعف السلاح، فإن مصير هـذا المقاتل مصير لا يحسد عليه.

                  وقد كان العرب قبل الإسلام يتدربون على استعمال السلاح، ولكن لم يكن تدريبهم إلزاميا، فكان منهم من يتدرب ومنهم من لا يتدرب بحسب رغبته وهواه.

                  فلما جاء الإسلام أمر بالتدريب وحث عليه؛ لأن الجهاد فرض على كل مسلم قادر على حمل السـلاح، فالمسلمون كلهم جند في جيش المسلمين، يجاهدون في سبيل الله لتكون كلمته هـي العليا.

                  وقد وردت أحاديث كثيرة في الحث على الرمي، والرمي كما هـو معروف، هـو الاختبار العلمي للتدريب على السلاح، فإذا كان الرامي (هدافا) كان ذلك دليل على تدريبه المتقن الراقي، وإذا كان الرامي (وسطا) كان تدريبه وسطا أيضا، أما إذا كان (ضعيفا) ، فهو ضعيف في تدريبه. [ ص: 146 ] فقد ( مر الرسول صلى الله عليه وسلم على نفر من (أسلم) - إحدى القبائل العربية - ينتضلون بالسوق، فقال: ارموا بني إسماعيل، فإن أباكم كان راميا. ارموا وأنا مع بني فلان، فأمسك أحد الفريقين بأيديهم، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ما لكم لا ترمون؟، فقالوا: كيف نرمي وأنت معهم؟ فقال: ارموا وأنا معكم كلكم ) [1]

                  وعن عقبة بن عامر رضي الله عنه قال: سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول: ( وأعدوا لهم ما استطعتم من قوة، ألا إن القوة الرمي ألا إن القوة الرمي، ألا إن القوة الرمي ) [2]

                  ( وقال عليه الصلاة والسلام : من علم الرمي، ثم تركه، فليس منا. ) [3] ، وقد شوهد كثير من الأئمة وكبار العلماء يمارسون الرمي بعد أن بلغوا الشيخوخة المتقدمة، ومنهم: الإمام أحمد بن حنبل رضي الله عنه ، فإذا سئلوا عن سبب هـذه الممارسة أو لمحوا استغراب الناس مما يفعلون، أجابوا المتسائلين والمتغربين بهذا الحديث النبوي الشريف.

                  ومعنى هـذا الحديث أن المسلم يجب أن يمضي في تدريبه على السلاح من المهد إلى اللحد دون توقف بسبب العمر أو العمل أو غيرهما من أسباب.

                  وعن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: ( إن الله يدخل بالسهم الواحد ثلاثة نفر الجنة: صانعه الذي يحتسب في صنعته الخير، والذي يجهز به في سبيل الله، والذي يرمي به في سبيل الله ) ، وقال: ( ارموا واركبوا، وأن ترموا خير لكم من أن تركبوا. ) ، وقال: ( كل شيء يلهو به ابن آدم فهو باطل، إلا ثلاثا: رميه عن قوسه، وتأديبه فرسه، وملاعبته أهله. ) [4] [ ص: 147 ]

                  ( وعن علي بن أبي طالب رضي الله عنه قال: كانت بيد رسول الله صلى الله عليه وسلم قوس عربية، فرأى رجلا بيده قوس فارسية، فقال: ما هـذه؟ ألقها، وعليك بهذه وأشباهها، ورماح القنا، فإنهما يؤيد الله بهما في الدين، ويمكن لكم في البلاد. ) [5]

                  ( وعن عمرو بن عبسة ، قال: سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول: من رمى بسهم في سبيل الله، فهو له عدل محرر - مثل عتق رقبة حررها - ) [6]

                  وبالإمكان اتخاذ أهداف للتصويب عليها في التدريب على الرمي من الأحجار أو الأخشاب وسائر المواد التي لا روح فيها، فقد لعن النبي صلى الله عليه وسلم من اتخذ شيئا فيه الروح غرضا، ( وقال عليه الصلاة والسلام : لا تتخذوا شيئا فيه الروح غرضا - هـدفا يرمي بالسهام - ) [7]

                  ( ودخل أنس بن مالك رضي الله عنه دار الحكم بن أيوب، فإذا قوم نصبوا دجاجة يرمونها، فقال: نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم ، أن تصبر البهائم. ) [8]

                  وكان الذي يجيد الرماية في عهد الرسول القائد عليه أفضل الصلاة والسلام يشار إليه بالبنان، ويرفع ذكره بين الناس.

                  ( فسعد بن أبي وقاص رضي الله عنه كان يرمي بين يدي النبي صلى الله عليه وسلم في غزوة (أحد) ، وكان أرمى الناس، فكان يجمع له الرسول صلى الله عليه وسلم أبويه ويقول له: ارم فداك أبي وأمي. ) [9] [ ص: 148 ]

                  ( قال سعد : جمع لي النبي صلى الله عليه وسلم أبويه يوم أحد ) [10]

                  ( وإن من مهرة الرماة يوم (أحد) سهل بن حنيف رضي الله عنه الذي بايع النبي صلى الله عليه وسلم على الموت، وجعل ينضح عنه بالنبل حتى كشف الناس فكان عليه الصلاة والسلام يقول لأصحابه: نبلوا سهلا. ) [11] ، أي: اعطوه نبلكم.

                  وكان رماة المسلمين يوم (أحد) خمسين، ويومها رمى النبي صلى الله عليه وسلم عن قوسه (الكتوم) حتى صار شظايا، فرمى بالحجر، (ابن سعد: 2/29) ، وكسر أبو طلحة يومئذ قوسين أو ثلاثة (البخاري شرح القسطلاني: 5/95) .

                  هؤلاء الهدافون ذكرهم النبي صلى الله عليه وسلم وذكرهم أصحابه، ولا يزال ذكرهم يضيء صفحات التاريخ وكتب الرجال بالتقدير والثناء، لأن أحدهم كان هـدافا ماهرا في الرمي.

                  ولا أعرف عقيدة عسكرية غير العقيدة العسكرية الإسلامية، أمرت بالتدريب على السلاح، ونهت عن التخلف عنه، وشجعت المتفوقين فيه، وكرمتهم في حياتهم وبعد موتهم، مما أدى إلى تفوق المسلمين في التدريب على استخدام أسلحتهم، ومهارتهم في استعمالها في ميادين القتال.

                  ومن الواضح أن حرص المسلمين على التدريب، وتفوقهم فيه، كان سببا من أسباب انتصارهم في المعارك التي خاضوها. [ ص: 149 ]

                  التالي السابق


                  الخدمات العلمية