الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                  الخاتمة

                  القادرون على إعادة كتابة العسكرية الإسلامية

                  [1] الأهداف:

                  كان عبد العزيز فهمي (باشا) يؤمن: " أن تحسين الكتابة العربية لا يتأتى مطلقا إلا بتغيير الحروف التي تكتب بها واتخاذ الحروف اللاتينية، وبذلك نتمكن من الكتابة ومن النطق صحيحين " ، وكان يتحدث بهذا الرأي ويبشر به، وأخيرا تقدم بهذا الرأي إلى مجمع اللغة العربية بالقاهرة سنة اثنتين وستين وثلاثمائة وألف الهجرية (1943م) (مجلة مجمع فؤاد [ ص: 175 ] الأول للغة العربية، 1951، 6/18) ونشره في رسالته: (رسالة في اقتراح الحروف اللاتينية لكتابة العربية) ، فاستنكر الرأي العام العربي والإسلامي هـذا الرأي واستهجنه، فمات في مهده غير مأسوف عليه.

                  وكان ممن استنكر هـذا الرأي الشيخ عبد العزيز البشري (المتوفى سنة 1943م، وقد كان يعمل مراقبا إداريا لمجمع اللغة العربية بالقاهرة) ، المعروفة بنوادره وفكاهته، فقال لعبد العزيز فهمي: " ماذا: تريد بإدخال الحروف اللاتينية في الكتابة العربية؟! " ، فرد عليه: " أريد أن أعممها " فأجابه فورا: " تريد أن تبرنطها والله لا أن تعممها! " ، فذهب جواب البشري عليه رحمة الله مثلا، وأضحك الذين سمعوه في حينه، ولا يزال يضحك من يسمعه حتى اليوم.

                  وبالطبع أراد عبد العزيز فهمي: " أريد أن أعممها " ، أي أن أجعلها أكثر انتشارا في العالم، فتظاهر الشيخ البشري بأنه فهم من هـذا التعبير، أنه يريد أن ترتدي العمامة، فرد عليه إنك تريدها أن ترتدي (البرنيطة) لا (العمامة) .

                  وقد أوردت هـذه الحادثة في هـذا المجال، لأنني أتذكرها كثيرا، حين أقرأ ما يكتبه قسم من الذين يعيدون كتابة العسكرية الإسلامية: عقيدة وتاريخا، وقادة وتراثا، ولغة وسلاحا، فأجد أنهم يمسخون هـذه العسكرية مسخا، إما لجهلهم المطبق، وإما لأن أفكارهم ملوثة بالاستعمار الفكري البغيض، أو لأنهم جهلاء وملوثون أيضا. ظلمات بعضها فوق بعض، أو لأنهم يكرهون العرب والمسلمين ويعادون كل ما يتصل بهم من قريب أو بعيد.

                  ولست أشك في حسن نية بعض الذين يعيدون كتابة العسكرية الإسلامية [ ص: 176 ] من العرب والمسلمين، وأغلبهم يقصدون خدمة هـذه العسكرية خدمة صادقة أو يريدون إبراز مزاياها وعبقريتها، فيجعلون منها عسكرية غربية أو شرقية، وبذلك (يبرنطونها) ، وهي في حقيقتها لا شرقية ولا غربية، بل هـي عربية إسلامية، فما نريد من الذين يعيدون كتابة العسكرية الإسلامية إلا أن يحافظوا على أصالتها عربية إسلامية، وألا يمسخوها شرقية أو غربية؛ لأن ذلك يناقض الواقع، ويخالف التاريخ، ويجعلها ذنبا للعسكرية الأجنبية، ولا يبقيها رأسا عاليا من الرءوس العالية.

                  والعقيدة العسكرية الإسلامية، جزء لا يتجزأ من العقيدة الإسلامية التي نزل بها الكتاب العزيز، وجاءت بها السنة النبوية المطهرة، فلا ينبغي التلاعب بمبادئها لتوافق العقائد العسكرية الأجنبية لسبب أو لآخر، فذلك تحريف لا يقره الواقع ولا يرتضيه العقل السليم، ويخالف نصوص الكتاب والسنة.

                  أما الجزء الذي لم يرد فيه نص في الكتاب والسنة، أو ورد في نص اختلف الفقهاء في تفسيره، فلا بد من العودة إلى أقوال الفقهاء المجتهدين في الدين من الأئمة، وموازنة آرائهم والأخذ بالأصلح للأمة زمانا ومكانا.

                  والمعارك العسكرية الإسلامية، هـي التطبيق العملي للعقيدة العسكرية الإسلامية، فينبغي عند إعادة كتابتها ألا نبدل أو نحور شيئا من حقائقها التاريخية، بل نكتفي بنقل الوقائع كما حدثت فعلا بأسلوب عصري حديث، لاستخلاص الدروس والعبر التي تفيد العرب في حاضرهم ومستقبلهم.

                  أما أن نحرفها لنجعل منها معارك تشابه المعارك الحديثة، فليس مقبولا بأي عذر من الأعذار، ولأي سبب من الأسباب. [ ص: 177 ]

                  وكتابة قصة حياة قادة العرب والمسلمين، ينبغي أن يطابق واقعهم الحقيقي رجالا أدوا دورهم القيادي في زمانهم، لا أن نحاول إبقاء أسمائهم وتحوير سيرة حياتهم، حتى نقارن بينهم وبين قادة الأجانب ونفخر بهذه المقارنة، فذلك هـدم لقادة العرب والمسلمين؛ لأنه تشويه للحقائق وتزوير للتاريخ وتزييف للواقع.

                  ودراسة التراث العربي الإسلامي، ينبغي أن ينشر محققا كما هـو لا كما نشتهي أن يكون، فالحق أحق أن يتبع، والحقيقة أولى بالتحقيق، وإلا فما نشرنا تراثا أصيلا، بل زورنا تراثا غير أصيل.

                  ووصف الأسلحة العربية الإسلامية وصفا حقيقيا واقعيا، وإبراز أثرها العملي في القتال، أهم وأجدى من اختراع أوصاف لها غريبة عنها وعن الذين استخدموها في الحرب، وانتصروا على أعدائهم بها.

                  أما اللغة العسكرية العربية، واللغات العسكرية الإسلامية، فينبغي تطهير مفرداتها من الألفاظ والمصطلحات الأجنبية الدخيلة، وألا تستعمل المصطلحات العسكرية الأجنبية بمناسبة وبغير مناسبة بحجة أنها شائعة أو مشهورة، لأن لغة القرآن الكريم لا تعجز عن استيعاب المصطلحات العسكرية الحديثة، ولغة الكتاب العزيز أحق بالحرص على سلامتها والاعتزاز بها من اللغات الأجنبية الأخرى.

                  ذلك ما كنت أبغي من إثارة موضوع إعادة كتابة العسكرية الإسلامية، وهدفي من إثارته ما وجدته من انحراف واضح في كتابة قسم من أقسام هـذه العسكرية، وأملي الوطيد بإيقاف هـذا الانحراف عند حده قبل أن يصبح تيارا جارفا لا يبقي ولا يذر، وحرصي على إعادة كتابة العسكرية الإسلامية [ ص: 178 ] بأقسامها كافة بأيد أمينة لا غبار عليها، والعمل بها في المؤسسات العسكرية التدريبية والتعليمية، والالتزام بها في القوات المسلحة العربية الإسلامية نصا وروحا، لتقود العرب والمسلمين إلى النصر بإذن الله، هـو من أهم أهدافي الحيوية التي آمل أن يوفقني الله على تحقيقها بمعاونة العرب والمسلمين، والتي عشت من أجل تحقيقها كل حياتي العسكرية والعلمية.

                  التالي السابق


                  الخدمات العلمية