الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                  [3] محاولات توحيد المصطلحات العسكرية العربية:

                  (أ) قطعت الجيوش العربية شوطا بعيدا نحو ترجمة المصطلحات العسكرية الأجنبية إلى اللغة العربية الفصحى أو اللغة غير الفصحى أحيانا، فبذل كل جيش عربي جهودا مشكورة لترجمة مصطلحاته العسكرية داخل نطاق جيشه، معتمدا على مصطلحات قسم من الجيوش العربية وعلى معلومات رجاله اللغوية والعسكرية.

                  لقد كانت المصطلحات العسكرية مختلفة أشد الاختلاف في نطاق كل جيش عربي، وكان هـذا الاختلاف أمرا طبيعيا، لأن الجيوش العربية الحديثة ولد أكثرها بعد نيل استقلالها، فكانت النواة الأولى لكل جيش عربي حديث عبارة عن ضباط ومراتب دربوا تدريبا أجنبيا بلغة أجنبية:

                  تركية، أو انكليزية، أو فرنسية، أو إسبانية، أو إيطالية، أو أمريكية أو روسية. [ ص: 109 ]

                  ولعل أهم ثمرة من ثمرات ترجمة المصطلحات العسكرية الأجنبية داخل جيش عربي في نطاق قطري، هـو تأليف عدة معجمات عسكرية عربية، أهمها خمسة هـي:

                  المعجم العسكري العراقي (إنكليزي - عربي) .

                  والمعجم العسكري السوري (فرنسي - عربي) و (إنكليزي - عربي) .

                  والمعجم العسكري اللبناني (فرنسي - عربي) .

                  والقاموس العسكري المصري (إنكليزي - ألماني - فرنسي - عربي) .

                  والمعجم العسكري الفني المصري (إنكليزي - عربي) .

                  وهناك معجمات عسكرية عربية مخطوطة، لم تر النور حتى اليوم، فلا مجال لذكرها.

                  والمعجم العسكري العراقي (إنكليزي - عربي) ، يؤخذ عليه أن مصطلحاته العسكرية قديمة قد تصلح لجيش في الأربعينيات من هـذا القرن، ولكنه لا يصلح لجيش حديث متطور. لأن المصطلحات العسكرية الحديثة تنقصه، مثل مصطلحات: الذرة والأجهزة الألكترونية، ومصطلحات الحرب الكيماوية، ومصطلحات الحرب الجرثومية.

                  أما المعجم العسكري السوري، فهو لسورية ومصر في الأصل، وسنتكلم عنه بعد قليل في الحديث عن المعجمات الموحدة.

                  أما المعجم العسكري اللبناني (فرنسي - عربي) ، فيؤخذ عليه اقتصاره على المصطلحات العسكرية البحتة، وعدم شموله مصطلحات العلوم التي لها علاقة بالمصطلحات العسكرية. [ ص: 110 ]

                  كما يؤخذ عليه، أن مصطلحاته قديمة لا تشمل المصطلحات الفنية العسكرية الحديثة كمصطلحات الأسلحة النووية والتعابير العسكرية العلمية الحديثة.

                  ثم يؤخذ عليه أيضا، أن لغته مدنية عليها طابع اللغة الأدبية التي تهتم بالكلمات الغريبة الحوشية، على حين أن اللغة العسكرية لغة علمية، تحرص على الوضوح والبساطة في التعبير.

                  وفي النهاية يؤخذ على هـذا المعجم العسكري اللبناني، أنه يضم ألفاظا عامية مثل: أنبار، وألفاظا أخرى منحوتة مثل: المجوقل، للنقل جوا.

                  أما القاموس العسكري المصري، فمما يؤخذ عليه أنه مرتب حسب الحروف الأبجدية الإنكليزية، لذلك فمن الصعوبة أن يستفيد من المترجم الفرنسية إلى العربية أو من الألمانية إلى العربية.

                  ومما يؤخذ على هـذا المعجم خلوه من المصطلحات العسكرية الحديثة، كما يؤخذ عليه وجود كثير من الكلمات التركية دون مسوغ.

                  ومما يؤخذ عليه لجوء واضعيه إلى التعريب لضرورة ولغير ضرورة، وكثرة الأخطاء الإملائية واللغوية فيه.

                  أما المعجم العسكري الفني المصري، فمما يؤخذ عليه إغراقه في الكلمات الغريبة الصعبة التي لا يستسيغها العسكريون بسهولة ويسر، مما يدل على سيطرة المدنيين على العسكريين في إعداد المعجم.

                  كما يؤخذ عليه إغراقه في التعريب دون مسوغ.

                  (ب) ولعل أهم محاولات توحيد المصطلحات العسكرية في نطاق جيشين عربيين فحسب، هـما: محاولة توحيد المصطلحات العسكرية الجيشين السوري والمصري أولا، ومحاولة توحيدها بين الجيشين [ ص: 111 ] المصري والعراقي ثانيا وقد ذكرت هـاتين المحاولتين بموجب تسلسلهما الزمني، إذ جرت المحاولة الأولى قبل المحاولة الثانية.

                  فقد أعدت المعجم العسكري السوري (انكليزي - عربي) و (فرنسي - عربي) لجنة مختلطة من سورية ومصر لإعداد معجم عسكري لجيش الجمهورية العربية المتحدة، فبدأت عملها سنة تسع وسبعين وثلاثمائة وألف الهجرية (1959م) ، وصدر المعجم بعد الحركة الانفصالية بين سورية ومصر، مما أدى إلى عدم التزام الجيش المصري بهذا المعجم، والتزم به الجيش السوري وحده، ولهذا أطلق عليه: المعجم العسكري السوري:

                  ومما يؤخذ على هـذا المعجم، أنه يضم طائفة من الكلمات العامية، مثل: كميون، وهي كلمة فرنسية أطلقت على سيارة الشحن.

                  كما أن من مصطلحاته ما لا يعبر عن المعنى المقصود في الأصل الأجنبي تعبيرا دقيقا، فمثلا مصطلحا (military Report) ، ترجم في المعجم العسكري السوري بـ: (نشرة حربية) ، في حين أن معناه: (تقرير عسكري) ، والفرق كبير بين (النشرة) ، وبين (التقرير) من الناحية العسكرية.

                  كما يؤخذ عليه كثرة المترادفات للكلمة الواحدة التي يجب أن يكون لها معنى واحد، فكان الواجب يقضي بوضع مصطلح عسكري عربي واحد، للمصطلح الأجنبي العسكري الواحد، يفي بالمقصود تماما، يحول دون الارتباك والالتباس.

                  ومما يؤخذ عليه كذلك، ميله إلى الكلمات الحوشية الجاسية في بعض [ ص: 112 ] المصطلحات العسكرية، وكان من الأفضل استعمال الكلمات البسيطة السهلة الخالية من التعقيد؛ لأن اللغة العسكرية لغة علمية.

                  أما المعجم العسكري العراقي الموحد، فقد أعدته لجنتان عسكريتان: لجنة عسكرية عراقية، ولجنة عسكرية مصرية، تنقلتا بين القاهرة وبغداد خلال سنة خمس وثمانين وثلاثمائة وألف الهجرية (1965م) ، وصدر هـذا المعجم بعد طبعه في مطابع الجيش العراقي في تلك السنة.

                  والذي يؤخذ على هـذا المعجم، أن إعداده اقتصر على الضباط فقط، وكان من الضروري أن يشارك في إعداده أعضاء المجامع اللغوية والعلمية، لإمكان تفادي الأخطاء اللغوية أولا، ولإعطاء المعجم قوة لغوية تجعل له قيمة لا غبار عليها في البلاد العربية كافة من الناحية اللغوية.

                  كما يؤخذ عليه أيضا، أن القيادة العربية الموحدة لم تشارك في إعداده، وكانت يومئذ على قيد الحياة، فكان من الواجب أن يكون بين أعضاء لجنتي إعداده عضو من القيادة العربية الموحدة، حتى يأخذ هـذا المعجم معنى الشمول، وتعترف به الدول العربية كافة، وتعمل على تطبيقه في جيوشها.

                  ويؤخذ على تنظيم المعجم العسكري العراقي الموحد كذلك، أنه كان يجب أن يبوب على حسب ترتيب حروف الهجاء الانكليزية أسوة بالمعجمات العسكرية الأخرى وغير العسكرية أيضا، ثم تنظم مفردات المصطلحات العسكرية في نهاية المعجم على حسب أسلحة الجيش وأقسامه الإدارية. وهذا الأسلوب يجعل أمر استخراج المصطلح العسكري [ ص: 113 ] المطلوب سهلا هـينا سريعا ويحول دون تكرار المصطلحات العسكرية دون مسوغ لهذا التكرار.

                  على أنه يؤخذ عليه بالإضافة إلى ذلك، أن الذين نظموه كتبوا عناوين المصطلحات الإنكليزية باللغة الإنكليزية فوق عناوين المصطلحات العربية مباشرة، وليس من المناسب أن يعلو التعبير الأجنبي على التعبير العربي في معجم صدر في بلد عربي يرمي إلى توحيد المصطلحات العسكرية في البلاد العربية.

                  وأخيرا يؤخذ عليه خلوه من المصطلحات العسكرية الحديثة.

                  وقد كان بالإمكان تلافي هـذه المآخذ كلها على المعجم العسكري الموحد، لتشمل فائدته المرجوة جيوش العرب كلها، فيكون بحق معجما موحدا لا معجما موحدا.

                  وللتاريخ نذكر أن مصر لم تلتزم بهذا المعجم على الرغم من مشاركتها في إعداده!

                  وعلى كل حال، فهذا المعجم خطوة موفقة إلى حد ما على طريق توحيد المصطلحات العسكرية العربية.

                  ومن محاولات توحيد المصطلحات العسكرية في الجيوش العربية: نشرة المصطلحات العسكرية الموحدة التي أصدرتها القيادة العربية الموحدة سنة خمس وثمانين وثلاثمائة وألف الهجرية (1965م) ، والتي تحتوي على (285) مصطلحا عسكريا في أربع وعشرين صفحة من القطع الكبير، مكتوبة بالآلة الناسخة، وقد وزعت على جيوش الدول العربية.

                  ولكن مصطلحات هـذه النشرة، تختلف عن مصطلحات المعجم العسكري العراقي الموحد الذي أعدته لجنتان عسكريتان: لجنة من [ ص: 114 ] مصر ، ولجنة من العراق ، مما يدل على أن القيادة العربية الموحدة لم تكن على علم بإعداد هـذا المعجم.

                  وقد أعدت هـذه النشرة لجنة من ضباط القيادة العربية الموحدة، وهي تشمل على المصطلحات العسكرية الرئيسة التي يكثر التخاطب بها في الجيوش العربية، خاصة في إصدار الأوامر العسكرية.

                  وقد كان من الممكن أن تصدر القيادة العربية الموحدة معجما موحدا لا نشرة موحدة، ولكن ظروفها وقلة الضباط القادرين على إصدار هـذا المعجم بين منتسبيها وضيق الوقت حال بينها وبين إصدارها المعجم العسكري الموحد.

                  ومما يؤخذ على هـذه النشرة، اقتصارها على عدد محدود من المصطلحات العسكرية، لا تكاد تغني ولا تسمن من جوع.

                  كما يؤخذ عليها أن إعدادها اقتصر على عدد قليل من ضباط القيادة العربية الموحدة، وعدم الاستعانة بأعضاء مجمع اللغة العربية في إعدادها.

                  كذلك يؤخذ عليها، أن مصطلحاتها لا تتفق مع المصطلحات العسكرية الشائعة في أكثر الجيوش العربية، مما أدى إلى عدم استعمالها في تلك الجيوش.

                  التالي السابق


                  الخدمات العلمية