الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                  [6] أهمية المعجم العسكري الموحد والالتزام به:

                  (أ) قرأت ترجمة لمذكرات أحد قادة الحرب العالمية الثانية الأجانب، نقلها إلى العربية في الخمسينيات أستاذ جامعي: يتقن اللغة الأجنبية التي ترجم عنها، ويتقن اللغة العربية التي ترجم إليها، ولكنه لا يتقن المصطلحات العسكرية العربية، فجاءت ترجمته تافهة هـزيلة متهافتة، قبلت معاني تلك المذكرات رأسا على عقب ومسخت المعلومات العسكرية الواردة فيها مسخا.

                  مثلا ترجمة كلمة: (Section) الإنكليزية إلى كلمة: (فرقة) العربية، وملاك الفرقة خمسة عشر ألف مقاتل بين ضابط وضابط صف وجندي.

                  والترجمة السليمة لهذه الكلمة الإنكليزية هـي (حضيرة) ، وملاك الحضيرة بين ثمانية مقاتلين وعشرة مقاتلين من ضباط الصف والجنود فقط. [ ص: 129 ]

                  وشتان بين خمسة عشر ألف مقاتل فيهم عدد ضخم من الضباط، وبين ثمانية مقاتلين وعشرة مقاتلين ليس بينهم أي ضابط.

                  ولست بصدد نقد هـذا الأستاذ الجامعي، ولكن بصدد تبرئة ساحته من التقصير؛ لأن هـذا الأستاذ ترجم الأسلوب العسكري بمصطلحات مدنية من عنده، لأنه حرم من معجم عسكري عربي يستعين به في ترجمته، بسبب ما تحاط به المعجمات العسكرية العربية من سرية لا أعرف لها سببا ولا مسوغا.

                  إن مفردات المصطلحات العسكرية العربية الواردة في هـذه المعجمات، هـي من صميم العربية، وهي موجودة في معجمات اللغة، فلماذا تكون تلك المفردات في المعجمات العسكرية سرا ولا تكون سرا في معجمات اللغة؟؟

                  وكمثال على ذلك، فإن كلمة: (مدفع) ليست سرا ولكن عدد (المدافع) وأنواعها ومواضعها وأساليب استخدامها ومستودعاتها هـي السر الذي ينبغي أن يبقى طي الكتمان الشديد.

                  وحين أرادت لجنة توحيد المصطلحات العسكرية للجيوش العربية الاستعانة بالمعجمات العسكرية الأجنبية: الإنكليزية والأمريكية والكندية والفرنسية والروسية والمعجم العسكري لحلف الأطلسي، استطاعت أن تشتري هـذه المعجمات من المكتبات العامة، واستوردت المعجمات العسكرية غير المتيسرة في المكتبات العامة بالقاهرة من الخارج، وهذه المعجمات العسكرية الأجنبية بدون استثناء متيسرة في المكتبات العامة، ويستطيع اقتناءها العسكريون والمدنيون متى أرادوا من تلك المكتبات. [ ص: 130 ]

                  لقد كانت المعجمات العسكرية العربية سرية لا تباع في المكتبات، ويقتنيها العسكريون وحدهم، فلما صدر المعجم العسكري الموحد كسر هـذه السرية التي لا معنى لها، وأصبح متيسرا في المكتبات العامة، مشاعا للمدنيين وللعسكريين.

                  وقد كان المدنيون الذين يترجمون الكتب العسكرية التاريخية أو الجغرافية، أو الخاصة بعلم النفس العسكري، أو كتب الثقافة العسكرية العامة مثل مذكرات قادة الحرب، أو يترجمون المقالات العسكرية من الصحف والمجلات الأجنبية، أو الذين يترجمون التعليقات العسكرية التي تذاع من الإذاعات الخارجية، بأمس الحاجة إلى المعجمات العسكرية، وقد تيسر لهم المعجم العسكري الموحد بعد صدوره، فلا عذر لمن لا يقتنيه ولا يلتزم به في ترجمته.

                  وما يقال عن المترجمين المدنيين، يقال عن المذيعين في الإذاعة المسموعة والإذاعة المرئية، فإن التزامهم بالمعجم العسكري الموحد يطهر لغتهم من الألفاظ الأجنبية الدخيلة ويطوعها للألفاظ العربية الفصحى الأصلية، كما يعمل عملا مؤثرا في إشاعة المصطلحات العسكرية الموحدة.

                  وكل مثقف عربي مدعو للالتزام بالمعجم العسكري الموحد، ليتكلم العرب لغة عسكرية واحدة، لا لغات عسكرية متناقضة شتى.

                  (ب) وأهمية المعجم العسكري الموحد لا تقتصر على المثقفين العرب بل تتعداها إلى الكتب العسكرية العربية الفنية.

                  إن الكتاب العسكري العربي المطبوع في قطر عربي من الأقطار [ ص: 131 ] العربية، يستعمل في جيش ذلك القطر وحده، ولا يستعمل في الجيوش العربية الأخرى؛ لأن تلك الجيوش لا تستطيع فهمه نظرا لاختلاف المصطلحات العسكرية في الجيوش العربية.

                  والكليات والمعاهد والمدارس العسكرية في قطر عربي تخرج ضباطا وضباط صف، لذلك القطر العربي وحده؛ لأن سياق التدريب والمصطلحات العسكرية في الجيوش العربية المتناقضة، فالعسكري الذي يتخرج في كلية عسكرية في قطر عربي ما، ثم يعود إلى قطره عليه أن يعيد تدريبه مبنى ومعنى، كالذي يتخرج في كلية عسكرية أجنبية.

                  والقائد العسكري الذي يصدر أوامر عسكرية في الميدان، يصعب على العسكريين الذين ينتسبون إلى غير قطره فهم أوامره، ويصعب عليهم تنفيذها نتيجة لذلك.

                  إن توحيد المصطلحات العسكرية والالتزام بتطبيق المعجم العسكري الموحد، عاملان رئيسيان لوضع التعاون العسكري العربي في السلم والحرب موضع التنفيذ.

                  وإذا كان التعاون العسكري العربي ضروري قبل وجود كيان العدو الصهيوني، فإنه أصبح بعد وجوده قضية حياة أو موت بالنسبة للعرب.

                  ولن يتم التعاون العسكري العربي، إلا إذا توحدت المصطلحات العسكرية العربية بالالتزام المطلق بالمعجم العسكري الموحد.

                  وهذا الالتزام بالمعجم العسكري الموحد، يقضي قضاء مبرما على الكتب العسكرية القطرية ويجعلها كتبا عسكرية عربية، تشيع الانسجام الفكري بين العسكريين في القضايا العسكرية الفنية، وتشيع الانسجام [ ص: 132 ] الفكري بين الأمة العربية في قضايا الثقافة العسكرية العامة.

                  وهذا الالتزام، يجعل الكليات والمعاهد والمدارس العسكرية القطرية كليات ومعاهد ومدارس عسكرية عربية، يغترف منها العسكريون العرب التدريب العسكري الفني، وينهلون منها الثقافة العسكرية الموحدة.

                  وهذا الالتزام، يجعل الأوامر التي يصدرها قائد عسكري من قادة العرب العسكريين مفهومة من العسكريين العرب في كل مكان.

                  إن توحيد الجيوش العربية هـو الحجر الأساس لبناء الوحدة العربية الشاملة، فلا وحدة للعرب بدون قوة ضاربة، ولا قوة ضاربة إذا بقيت الجيوش العربية متفرقة.

                  والأساس لتوحيد الجيوش العربية هـو توحيد مصطلحاتها العسكرية لكي يشيع الانسجام بين منتسبيها أولا، ولكي تستطيع التفاهم فيما بينها ثانيا، ولا يمكن توحيد المصطلحات العسكرية العربية، إذا لم نلتزم بالمعجم العسكري الموحد، وخلفناه وراءنا ظهريا‍‍‍‍‍‍‍!!

                  لقد فعلت لجنة توحيد المصطلحات العسكرية للجيوش العربية كل ما بوسعها أن تفعل في إعداد المعجم العسكري الموحد وطبعه ونشره وإخراجه للناس.

                  وبقي على العرب أن يفعلوا كل ما بوسعهم أن يفعلوه في الالتزام بالمعجم العسكري الموحد، من أجل حاضرهم ومستقبلهم، ومن أجل الحفاظ على سلامة لغة القرآن الكريم.

                  فإن لم يفعلوا اليوم، فسيفعلون غدا، وكل آت قريب. [ ص: 133 ]

                  التالي السابق


                  الخدمات العلمية