الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                  [7] درجة التزام العرب بالمعجم العسكري الموحد:

                  (أ) إن العربي الأصيل والمسلم الحق، بعد أن تتبع ما بذلته لجنة توحيد المصطلحات العسكرية للجيوش العربية من جهود مكثفة مضنية طويلة مخلصة، في تحقيق الحلم البعيد الذي أصبح حقيقة بإخراج المعجم العسكري الموحد، الذي حقق أملين طالما راودوا المخلصين من العرب المسلمين: توحيد المصطلحات العسكرية في الجيوش العربية أولا، وتطهيرها من المصطلحات الأجنبية والدخيلة ثانيا، فحقق هـذا المعجم هـذين الأملين للعرب المخلصين حقا، وكان تحقيقها أقرب إلى الخيال منه إلى الواقع.

                  هذا العربي الأصيل وليس من قوارير، والمسلم الحق، وليس من الجغرافيين، وبعد أن تتبع فوائد الالتزام بهذا المعجم التزاما صارما لحاضر العرب ومستقبلهم من الناحيتين السياسية والعسكرية، ولتوحيد الجيوش العربية وإشاعة الانسجام الفكري في صفوفها بتوحيد تدريبها وتعليمها ومؤسساتها العسكرية العلمية وما تصدره من كتب ودراسات عسكرية تدريبية وتعليمية وفنية وتعبوية وسوقية وثقافية، لا بد أن يتساءل:

                  ما درجة التزام العرب بالمعجم العسكري الموحد لخدمة مصالحهم المصيرية؟

                  وسأجيب على هـذا التساؤل، بصفتي رئيس لجنة توحيد المصطلحات العسكرية للجيوش العربية، وممثل مجمع اللغة العربية المصري في اللجنة، وممثل عدة دول عربية اعتذرت عن إيفاد ممثليها في اللجنة؛ لأنها لا تملك من يقوم بهذه المهمة كما ينبغي في اللجنة من ضباطها، فجعلتني [ ص: 134 ] وكيلا مفوضا عنها في المرحلة الأولى من إعداد المعجم، وممثل جميع الدول العربية عدا مصر والعراق وسورية ولبنان في المرحلة الثانية من إعداد المعجم: إن الالتزام بالمعجم من الدول العربية كان متفاوتا بين الإفراط والتفريط، كما هـو شأن هـذه الدول بكل أمورها.

                  فقد التزام به قسم من الدول العربية التزاما كاملا، فطبقته في جيوشها وطبقته في أجهزة إعلامها، وعممت على مؤسساتها التدريسية.

                  وقد أغفل قسم من الدول العربية الالتزام به، كأنه لم يصدر ولم تسمع بصدوره ولا وصلت نسخة منه إليها.

                  وللتاريخ أذكر، أن نسخا من المعجم أهديت إلى ملوك ورؤساء الدول العربية وإلى وزراء الدفاع ورؤساء أركان الجيوش ومؤسساتها العسكرية، وسلمت بعض النسخ المهداة يدا بيد في أحد مؤتمرات القمة التي عقدت في جامعة الدول العربية، وسلم بعضها بيد سفراء الدول العربية المعتمدين في القاهرة ، وتسلمت لجنة توحيد المصطلحات العسكرية للجيوش العربية رسائل من السادة المهداة إليهم المعجمات العسكرية الموحدة، فلا عذر لمن يدعي أنه لا علم له بصدور المعجم أو لم يتسلم نسخة أو أكثر منه.

                  وكنت أرصد الدول التي أخذت بالمعجم والدول التي أغفلته، فسافرت شرقا وغربا في زيارة الدول التي لم تأخذ به وأغفلته، وكلمت قمة المسئولين فيها، فوعدوا خيرا، ثم لم يبروا بوعدهم!!

                  وكنت أسأل عن سبب إغفال المعجم من المسئولين العسكريين في أعلى المستويات، فقيل لي: إن الجيش اعتاد المصطلحات العسكرية القديمة، وللمرء من دنياه ما قد تعودا، ومن الصعب عليه أن يستبدل الذي هـو خير بالذي هـو أدنى! [ ص: 135 ]

                  وأنظر في مصطلحاتهم العسكرية التي يعتزون بها ولا يصبرون على فراقها، فلا أرى إلا مصطلحات أجنبية دخيلة لجيش استعماري كان يحتل بلادهم ويمتص دماءهم ويستهين أول ما يستهين بجيشهم!

                  وقد اتخذت لجنة توحيد المصطلحات العسكرية للجيوش العربية كل الاحتياطات الممكنة مما ذكرته سابقا ومما لم أذكره، ومما يخطر على البال ومما لا يخطر، لكي تقطع الطريق على الدول العربية التي تضمر التنصل من الالتزام بالمعجم العسكري الموحد، فذهبت ما اتخذته من احتياطات أدراج الرياح.

                  ولا أقنط من رحمة الله، فالأمل أن تلتزم به سائر الدول العربية التي لم تلتزم به حتى اليوم.

                  وما دام المعجم العسكري قد أصبح واقعا لا مراء فيه، فإن الالتزام به حتمي اليوم أو غدا، فلا أظن عربيا كائنا من كان نية واتجاها، يفضل لغة المستعمر على لغة القرآن الكريم.

                  (ب) ولعل ظروف جامعة الدول العربية الراهنة، ساعدت في تخلف قسم من الدول العربية عن الالتزام بالمعجم العسكري الموحد، فهذه الجامعة هـي المسئولة عن نشره وتوزيعه، وقد هـاجرت من مقرها الدائم في القاهرة إلى مقرها المؤقت في تونس ، فتركت نسخ المعجم في مستودعات كتبها بالقاهرة، كما بقيت رقوق المعجم في مطبعة دار المعارف بالقاهرة، فلا تستطيع الجامعة في هـذه الظروف توزيع المعجم ولا إعادة نشره إلا إذا تحركت وبذلت قليلا من الجهد. [ ص: 136 ]

                  إن الجامعة تستطيع أن تعيد نشره بمطابع الاستنساخ، ثم تقوم بتوزيعه على الدول العربية، إلا أن هـذه العملية تحتاج إلى من يشرف على إخراجها إلى حيز التطبيق العملي، وبإمكانها الاستعانة باللجنة التي أعدت المعجم أو بقسم من أعضائها، ليؤدوا واجبهم في تنفيذ هـذه العملية.

                  ولتذكر جامعة الدول العربية أن توحيد المصطلحات العسكرية العربية وإخراج المعجم العسكري الموحد، هـو أول وأبرز عمل علمي أنجزته الجامعة في تاريخها، وهو إنجاز وحدوي لا غبار عليه تفخر به الجامعة وتعتد به، وهو يستحق منها بعض العناء.

                  وتوحيد المصطلحات العسكرية العربية، كان أول عمل وحدوي علمي نجحت الجامعة في إخراجه إلى حيز التنفيذ، ولم تنجح في مشروع وحدوي ولا علمي قبله، ولا أظنها تنجح بعده، فقد حاولت منذ أكثر من عشر سنوات توحيد المصطلحات الإدارية العربية، وهي أقل من ألف مصطلح عدا، فما نجحت في تحقيق هـذا التوحيد حتى اليوم، ولو تولى أمره أحد أعضاء لجنة توحيد المصطلحات العسكرية لأنجزه من زمن بعيد.

                  فلا بد للجامعة من إعادة طبع المعجم ونشره، فهو إنجاز عظيم له ما بعده بإذن الله.

                  وبهذه المناسبة، فقد نشر المعجم قبل عشر سنوات تقريبا، فاستجدت كثير من المصطلحات العسكرية، لأن الأسلحة والمعدات والأجهزة في تطور سريع، فعلى الجامعة أن تعيد تشكيل لجنة توحيد المصطلحات العسكرية من جديد، لإصدار ملحق للمعجم يضم ما استجد من [ ص: 137 ] مصطلحات عسكرية حديثة.

                  وأخشى أن أكون قد أزعجت الجامعة وعكرت عليها صفو راحتها، وهي تغط في نوم عميق.

                  (ج) بقي علي أن أمر بسرعة بالمصطلحات العسكرية للدول الإسلامية الأخرى، فظروف مصطلحاتها العسكرية تشابه تماما ظروف المصطلحات العسكرية العربية.

                  وقد زرت إحدى الدول الإسلامية زيارة رسمية سنة أربع وثمانين وثلاثمائة وألف الهجرية (1964م) ، وشهدت تدريب جيشها، وسمعت محاضرة عسكرية فيها، فكانت جميع المصطلحات العسكرية السائدة في جيش تلك الدول الإسلامية مصطلحات أجنبية بلغة المستعمر الذي رحل سياسيا واستقر فكريا.

                  ولذلك الجيش لغة إسلامية عريقة جدا، فما ينبغي أن تسود اللغة الأجنبية على اللغة الأصلية.

                  وكما أحرص على اللغة العربية الفصحى، أحرص على لغة الدول الإسلامية، وقد حدثت أحد كبار علمائها الذي صادفته في موسم من مواسم الحج، عن المصطلحات العسكرية السائدة في جيش بلاده، فوعد أن يثير هـذه المشكلة ويعمل على وضع حد لها.

                  ولا أزل أنتظر أن يبر بوعده، وقد طال الانتظار كثيرا.

                  والله أسأل أن يطهر اللغة العسكرية في البلاد العربية من المحيط إلى الخليج، واللغات العسكرية الإسلامية من المحيط إلى المحيط، من المصطلحات العسكرية الأجنبية والدخيلة، إنه سميع مجيب. [ ص: 138 ]

                  التالي السابق


                  الخدمات العلمية