الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                  الفصل الخامس

                  اللغة العسكرية العربية واللغات العسكرية الإسلامية

                  [1] العربية الفصحى:

                  كانت العربية الفصحى، نقية من شوائب الألفاظ الدخيلة حتى اختلط العرب بالعجم في الفتح، فسكن قسم من العرب البلاد المفتوحة، وسكن قسم من غير العرب البلاد العربية، فشحنت العربية الفصحى بالألفاظ الدخيلة وشاع اللحن بين العرب، ولم يكن قبل هـذا الاختلاط شائعا.

                  ولكن اللغة العربية الفصحى كانت سائدة على اللغات الأخرى لأسباب كثيرة، أهمها: أن الفصحى لغة القرآن الكريم، فهي لغة الإسلام، [ ص: 101 ] إضافة إلى أنها لغة العرب، وكما أن القرآن الكريم هـو كتاب الإسلام الأول، فهو أيضا كتاب العربية الأول، كما أن العربية الفصحى لغة الفاتحين، والمغلوب يقلد الغالب في كل شيء حتى في لغته، لكسب عطفه والتقرب منه والتعاون معه، ثم إن العربية الفصحى لغة حية اشتقاقية غنية بالمفردات، تستعين بها اللغات الأخرى في تغطية حاجتها من مفردات العلوم والآداب والفنون.

                  وظلت سيادة العربية الفصحى في مد عارم حتى سنة اثنتين وثلاثين ومائة الهجرية (749م) ، حيث مضى عهد الدولة الأموية وبدأ عهد الدولة العباسية، فأخذت المفردات الدخيلة تتكاثر في العربية الفصحى، وتوالى العد التنازلي في المد العارم باتجاه الجزر، فانتهى المد سنة ست وخمسين وستمائة الهجرية (1258م) بانهيار الدولة العباسية وسقوط بغداد في أيدي التتار، وبدأ الجزر بتغلب العنصر غير العربي على البلاد العربية، فطعموا اللغة العسكرية العربية باللغات الأجنبية: الفارسية والتركية وغيرهما من اللغات الأعجمية الأخرى.

                  وإذا كانت الفصحى ظلت سيدة في المجالات العلمية والأدبية والفنية، لأنها أصبحت لغة الحضارة ولغة الدين معا، حتى بعد سقوط بغداد في أيدي التتار، لا تستطيع لغة من اللغات الأخرى منافستها في سيادتها المطلقة في تلك المجالات، إلا أن اللغة العسكرية العربية تأثرت كثيرا باللغات الأجنبية، فأصبحت المصطلحات العسكرية الأجنبية تتغلغل في المصطلحات العسكرية العربية بالتدريج، كما يتضح ذلك جليا في [ ص: 102 ] المصادر العربية المعتمدة كـ " النجوم الزاهرة، ونهاية الأرب، وصبح الأعشى " حيث نقرأ كثيرا من المصطلحات العسكرية الأجنبية تغزو المصطلحات العسكرية العربية وتستولي على مكانها ومكانتها، لأنها لغة الحكام الجدد من غير العرب الذين كانوا من العسكريين غالبا، استولوا على الحكم بالقوة العسكرية لا بالفكر الحضاري، فكان لا بد لهم أن يفرضوا لغتهم الأجنبية في مصطلحاتها على اللغة العربية الفصحى.

                  وفي القرن العاشر الهجري (السادس عشر الميلادي) ، أصبحت الدولة العثمانية مسيطرة على البلاد العربية، وأصبحت البلاد العربية جزءا من الدولة العثمانية.

                  وفي سنة ثلاث وعشرين وتسعمائة الهجرية (1517م) ، استولى العثمانيون على مصر ، فرأى السلطان العثماني سليم الفاتح أن يستولي على الخلافة الإسلامية، فأصبح خليفة المسلمين بعد خلع محمد المتوكل على الله آخر الخلفاء العباسيين في مصر.

                  وكان من نتائج الحكم العثماني للبلاد العربية، أن اللغة التركية أصبحت لغة التعليم الرسمي، فسادت المصطلحات العسكرية التركية على المصطلحات العسكرية العربية، وأصبح العسكريون العرب يتلقون تدريبهم العسكري باللغة التركية، ويتعلمون في المدارس العسكرية التركية، ويعملون في الجيش التركي.

                  وحين تولى الخديوي محمد علي مصر سنة عشرين ومائتين وألف [ ص: 103 ] الهجرية (1805م) ، بذل جهده ليبني الجيش المصري على أسس عصرية، فأسس مدرسة إعدادية عسكرية، وأنشأ مدرسة للطب تخرج الأطباء العسكريين إحدى وأربعين ومائتين وألف الهجرية (1825م) ، وأوفد البعثات العسكرية إلى إيطاليا وفرنسا وبريطانيا ، وبذلك استطاع تطوير الجيش المصري من الناحيتين التدريبية والتنظيمية، ولكنه لم يستطع تطويره من الناحية اللغوية، إذ كانت اللغة التركية هـي لغة التدريب والتعليم في مدارس الجيش وقطاعاته العسكرية.

                  وفي سنة ست وأربعين ومائتين وألف الهجرية (1830م) ، احتل الفرنسيون الجزائر ، كما احتلوا تونس سنة تسع وتسعين ومائتين وألف الهجرية (1881م) ، والمغرب سنة إحدى وثلاثين وثلاثمائة وألف الهجرية (1912م) ، واحتل الإنكليز مصر سنة ثلاثمائة وألف الهجرية (1882م) ، واحتل الإيطاليون ليبيا سنة تسع وعشرين وثلاثمائة وألف الهجرية

                  (1911م) ، فاضمحلت الجيوش العربية المحلية، وبقي في مصر جيش صوري، وفي المغرب جيش رمزي، للمراسيم والاحتفالات وللحراسات الداخلية.

                  هذا الاستعمار الأجنبي، أشاع المصطلحات العسكرية الفرنسية في الجزائر وتونس والمغرب، وأشاع المصطلحات العسكرية الإيطالية في ليبيا، وأشاع المصطلحات العسكرية الإنكليزية في مصر.

                  ولكن عمق جذور المصطلحات العسكرية التركية في البلاد العربية كافة، جعلها تثبت أمام الغزو الفكري الجديد وتبقى سائدة على المصطلحات العسكرية العربية القديمة، والمصطلحات العسكرية الأجنبية الجديدة؛ لأن الدولة العثمانية كانت مسيطرة على تلك البلاد سيطرة زمنية وسيطرة دينية منذ أكثر من أربعة قرون خلت. [ ص: 104 ]

                  وبعد الحرب العالمية الأولى، أصبحت أكثر الدول العربية خاضعة للاستعمار الغربي، فبدأ مد المصطلحات العسكرية الغربية يطغى على العسكريين في هـذه الأقطار، وأصبحت اللغة العسكرية العربية مطعمة بالمصطلحات العسكرية التركية وبالمصطلحات العسكرية الفرنسية في الجزائر وتونس والمغرب وسورية ولبنان ، وبالمصطلحات العسكرية التركية وبالمصطلحات العسكرية البريطانية في مصر والعراق والسودان والأردن وفلسطين وإمارات الخليج العربي واليمن الجنوبي ، وبالمصطلحات العسكرية التركية وبالمصطلحات العسكرية الإيطالية في ليبيا .

                  وهكذا تلوثت المصطلحات العربية بالمصطلحات العسكرية الأجنبية بتأثير الدول غير العربية التي غزت البلاد العربية في القرون القريبة والبعيدة، ولم تبق اللغة العسكرية العربية نقية لا يكدر صفوها ألفاظ دخيلة، بل اختلطت الألفاظ العسكرية العربية الأصيلة بالألفاظ الأجنبية الدخيلة، فوجب التخلص من الدخيل والاحتفاظ بالأصيل.

                  التالي السابق


                  الخدمات العلمية