الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                  [2] لماذا العقيدة العسكرية الإسلامية؟

                  لكي نعلم لماذا العقيدة العسكرية الإسلامية وحدها تناسب العرب والمسلمين وتقودهم إلى النصر، ولا تناسبهم العقيدتان العسكريتان الغربية أو الشرقية، وتقودهم إلى الاندحار، لا بد من مقارنة العقائد الثلاث، ليكون الجواب على هـدى وبصيرة.

                  والمقارنة تقتصر على (المبادئ) التي تميز تلك العقائد وتتسم بها، أما (الأساليب) فقد تكون متشابهة أو متقاربة بين العقائد العسكرية الثلاث، وأهمية الأساليب بالنسبة لأهمية المبادئ لا قيمة لها.

                  والعقيدة العسكرية الغربية تنقسم إلى ثلاثة أنواع: العقيدة العسكرية الأمريكية، والعقيدة العسكرية البريطانية، والعقيدة العسكرية الفرنسية، وهي تختلف بالأساليب ولكنها تتفق في المبادئ، وكانت العقيدة العسكرية الغربية قبل الحرب العالمية الثانية تنقسم إلى خمسة أنواع، يضاف إلى العقائد الغربية الثلاث، العقيدتان: الألمانية والإيطالية، فجمدت هـاتان العقيدتان بعد هـزيمة ألمانيا وإيطاليا في تلك الحرب.

                  والعقيدة الغربية ترتكز على المبدأ القائل: " مزيد من النيران وقليل من المقاتلين " ، أي: أن الهدف الذي يعترض العمليات الحربية في القتال، يمكن السيطرة عليه بدكه دكا بالنيران الأرضية والجوية الكثيفة [ ص: 54 ] بمختلف الأسلحة المتيسرة، مهما بلغت كثافة النيران كمية وكيفية ونفقات، وحينذاك يستولي على ذلك الهدف بعد إخماده بالنيران وإسكاته عدد محدود من المحاربين، لغرض التقليل من الخسائر في الأرواح جهد الإمكان.

                  وعلى هـذا المبدأ: " مزيد من النيران، وقليل من المقاتلين " ، يجري تدريب وتسليح وتجهيز وتنظيم وقيادة القوات المسلحة التي تعتمد العقيدة الغربية في العسكرية.

                  ولم يأت هـذا المبدأ السائد في العقائد العسكرية الغربية من فراغ، ولم يفرض نفسه عبثا، ولا يعمل به من غير جدوى بل فرضه فرضا عاملان حيويان:

                  الأول: هـو أن الدول الغربية دول صناعية تنتج السلاح في مصانعها الخاصة بها، وبإمكانها إنتاج السلاح الذي تريده، بالكمية التي تريدها، وتزويد جيوشها بالسلاح التقليدي والسلاح المتطور ليس مشكلة بالنسبة لتلك الدول الغربية الصناعية، وهذا هـو العامل الصناعي.

                  أما العامل الثاني: فهو عامل سياسي، فالديمقراطية التي تتيح الحرية الكاملة لكل فرد، تجعل لحياة ذلك الفرد قيمة عظيمة لا يمكن التساهل بأي شكل من الأشكال في إهدارها دون مسوغا يرتفع عاليا في التنديد بكل تبديد في الأرواح دون مسوغ وبغير حق أيضا، فلا مجال للمغامرة بالأرواح، وهناك كل المجال للمغامرة بالنيران.

                  والقائد المنتصر في معركة من المعارك، لا يحاسب في الغرب على إسرافه في النيران، ولكن يحاسب على إسرافه في الأرواح، ولا تعتبر [ ص: 55 ] المعركة ناجحة إذا كانت الخسائر بالأرواح فوق المعدل وأكثر من المعقول.

                  أما العقيدة العسكرية الشرقية، فترتكز على المبدأ القائل: " مزيد من المقاتلين وقليل من النيران " ، أي: أن المبدأ الشرقي يناقض المبدأ الغربي من الناحية العسكرية على خط مستقيم، فالهدف الذي يعترض العمليات الحربية في القتال يمكن السيطرة عليه بموجات متعاقبة من المحاربين، يتعاقب تقدمها: قدمة قتالية بعد قدمة قتالية، حتى تستطيع إحدى القدمات القتالية النجاح في السيطرة على الهدف المطلوب، ويكون تقدم القدمات المقاتلة نحو هـدفها مسندا بالنيران المتيسرة من الأرض أو من الجو أو منهما معا، ولا يحول نقص النيران كمية ونوعا دون إقدام المقاتلين على النهوض بواجبهم في احتلال هـدفهم في الوقت المناسب.

                  وبموجب هـذا المبدأ " مزيد من المقاتلين وقليل من النيران " ، يجري تدريب وتسليح وتجهيز وتنظيم وقيادة القوات المسلحة التي تعتمد العقيدة الشرقية في العسكرية.

                  وفرض هـذا المبدأ عاملان رئيسان:

                  الأول: ضخامة نفوس الدول الشرقية عامة والاتحاد السوفييتي خاصة، وتسخير الحشود لمصلحة الدولة بحيث تذوب مصلحة الفرد في مصلحة الجماعة.

                  والثاني: هـو عدم تكامل الإنتاج الصناعي للأسلحة في الدول الشرقية كما هـو الحال في تكاملها في الدول الغربية، فلا بد من الاقتصاد فيه واستعماله دون إسراف، كما يجري في العقيدة العسكرية الغربية.

                  وليس معنى ذلك عدم تكثيف النيران في العقيدة الشرقية، بل معناه أن معدل كمية النيران في العقيدة الشرقية أقل منها في العقيدة الغربية. [ ص: 56 ]

                  إن العقيدة العسكرية الغربية عبارة عن إفراط في النيران، وتفريط في المقاتلين، والعقيد العسكرية الشرقية عبارة عن إفراط في المقاتلين، وتفريط في النيران.

                  أما العقيدة العسكرية الإسلامية، فلا إفراط فيها ولا تفريط، بل هـي وسط في كل شيء، وصدق الله العظيم: ( وكذلك جعلناكم أمة وسطا لتكونوا شهداء على الناس ويكون الرسول عليكم شهيدا ) (البقرة:143) .

                  لا إفراط في العقيدة العسكرية الإسلامية بالنيران؛ لأن الدول العربية والإسلامية تستورد معظم أسلحتها ولا تصنعها، فلا يمكن أن نفرط في استخدامها كالدول الصناعية الغربية التي تنتج أسلحتها وتصنعها في بلادها محليا.

                  ولا إفراط في هـذه العقيدة بالمقاتلين، لأن للروح البشرية قدسية خاصة في الإسلام، ينبغي الحرص على سلامتها وأمنها، والقائد المسلم الذي يفرط في تقديم الخسائر بالأرواح عبثا ليس قائدا ولا مسلما، وقد كان القادة المسلمون يحرصون أشد الحرص على أرواح المجاهدين، وغالبا ما كانوا يستأثرون بالخطر ويؤثرون رجالهم بالأمن.

                  والدول الإسلامية في مجموعها ليست كثيفة السكان إلا في باكستان وبنجلاديش، وبالرغم من كثافة سكان هـذين القطرين الإسلاميين، فالحرص على أرواح المقاتلين في الحرب من أول واجبات القادة.

                  وما يقال عن الإفراط في النيران والمقاتلين، يقال في التفريط بهما، فلا يناسب الدول الإسلامية غير العقيدة الوسط، لا شرقية ولا غربية، بل وسطا بين ذلك. [ ص: 57 ]

                  ومن مناقشة العقائد العسكرية الثلاثة، يتبين لنا، بأن العقيدة العسكرية الإسلامية هـي أفضل من العقيدتين الشرقية والغربية، وهي التي تناسب العرب والمسلمين، تنفيذا لتعاليم الإسلام؛ لأن العقيدة العسكرية الإسلامية جزء لا يتجزأ من العقيدة الإسلامية؛ ولأنها تناسب المسلمين نفوسا وقدرات صناعية؛ ولأنها العقيدة التي جربناها فانتصرنا، وجربنا غيرها فلم ننتصر أبدا.

                  التالي السابق


                  الخدمات العلمية