الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                  [2] المنهاج:

                  والأسلحة العربية الإسلامية كثيرة العدد، وازداد عددها كما ونوعا بالتدريج، ولم تبق على ما هـي عليه من أيام غزوات النبي صلى الله عليه وسلم وسراياه إلى المعارك الدفاعية، بل تطورت وتكاثرت يوما بعد يوم.

                  لقد كان العرب المسلمون يتحلون بمزية (المرونة) في القضايا العسكرية عامة: في التسليح والقضايا التعبوية والتنظيمية وأساليب القتال.

                  وكمثال على ذلك، فإن خالد بن الوليد رضي الله عنه اقتبس أسلوب الكراديس، قبل معركة اليرموك ، نتيجة لاستطلاعه الشخصي لقوات الروم قبل أن ينشب القتال، وخرج في تعبية لم تعبها العرب من قبل في ستة وثلاثين كردوسا إلى الأربعين (الطبري 3/396) ، وباشر القتال بهذا الأسلوب القتالي، فأحرز النصر على الروم في تلك المعركة الحاسمة.

                  وما كان خالد لينتصر على الروم، لو جمد على أسلوب العرب القتالي القديم: الكر والفر، وأسلوب الصفوف، ولكنه اقتبس من الروم [ ص: 143 ] ما وجده صالحا لجيش المسلمين في القتال، وطبقه فورا، ولم يبق جامدا على الأساليب القتالية القديمة.

                  كذلك كان العرب المسلمون يقتبسون صنوف الأسلحة من أعدائهم، كما كان أعدائهم يقتبسون منهم صنوف الأسلحة - نتيجة للمعارك التي يخوضونها - فكانت هـجرة الأسلحة من جانب إلى جانب من جملة الدروس المستفادة من تلك المعارك.

                  لقد كانت أسلحة المسلمين عند ظهور الإسلام في غاية البساطة: رماحهم من مران (شجر تتخذ من فروعه رماح فيها صلابة ولدونة) ، وأسنتهم من قرون البقر، يركبون الخيل في الحرب أعراء، فإن كان الفرس ذا سرج فسرجه رحاله (سرج من جلد بلا خشب) ، من أدم (الجلد غير المدبوغ، ويطلق على المدبوغ أيضا ) ، ولم يكن ذا ركاب، والركاب من أجود آلات الطاعن برمحه، والضارب بسيفه، وكان فارسهم يطعن بالقناة الصماء، بينما الجوفاء أخف حملا وأشد طعنة، وكانوا يفخرون بطول القناة، ولا يعرفون الطعن بالمطارد (جمع مطرد، وهو الرمح القصير) ، وإنما القنا الطوال للرجالة والقصار للفرسان، وكانوا في ابتداء الفتح الإسلامي لا يعرفون الرتيلة (آلة تقذف الحصيات على العدو) ، ولا العرادة (آلة تشبه المنجنيق) ، ولا المجانيق ، ولا الدبابات ، ولا الخنادق ولا الحسك (خناجر تصنع من الحديد الصلب، لها شعب تغرز أنصبتها في الأرض حول المعسكر، أو حول الموضع الدفاعي، حتى إذا دب العدو إلى المعسكر أو الموضع، أنشبت في أرجل الخيل أو الرجالة، فتمنعهم من الدنو) ، ولا يعرفون الأقبية (جمع قباء: ضرب من الثياب، أخذتها العرب من الفرس) ، ولا السراويلات ، ولا تعليق السيوف، والطبول ولا البنود (جمع بند، والبند: العلم الكبير) ، [ ص: 144 ] ولا التجافيف (جمع التجفاف، بكسر التاء، آلة يغطى بها الفارس والفرس في الحرب للوقاية) ، ولا الجواشن (الجواشن: صدور الدروع، وقد تطلق على الدرع كله) ، ولا الرمي بالمنجنيقات ولا الزرق بالنفط والنيران.

                  تلك بعض مطاعن الشعوبية على العرب بشأن آلات الحرب، كما نقلها الجاحظ في كتابه: (البيان والتبيين: 3/13 -16) ، ورد عليها (3/17-24) ، ولا أرى في هـذا المطاعن شيئا يستحق الرد، فهي مفاخر لا مطاعن، كفى العرب فخرا أنهم تغلبوا على أعدائهم بهذه الأسلحة البسيطة البدائية، بينما كانت أسلحة أعدائهم أفضل من أسلحتهم، فالأهم من السلاح اليد التي تستخدمه، وقد انتصر العرب المسلمون بهذه الأسلحة البدائية بفضل الأيدي المتوضئة التي استخدمتها في القتال.

                  ومن المعروف في تاريخ السلاح في العالم، أن السلاح ينتقل من أمة إلى أخرى بعد انكشاف أمره وفضح أسراره، وبمجرد استعماله في المعركة لا يبقى سرا من الأسرار العسكرية، بل يصبح معروفا للصديق والعدو معا.

                  والمنهاج الذي أعتمده في هـذه الدراسة يهدف إلى التركيز على أهمية دراسة الأسلحة العربية القديمة، للدلالة على الطريق فحسب، تاركا للباحثين سلوكه؛ لأن الدخول في تفصيلات سلاح واحد كالسيف مثلا، يستغرق كتابا مستقلا ووقتا طويلا.

                  ولكن لا بد من التطرق إلى أنواع الأسلحة، وخاصة المهمة منها، مع شيء من الوصف لها، لنعين الدارس على سلوك الطريق. [ ص: 145 ]

                  التالي السابق


                  الخدمات العلمية