الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                  [5] الأسلحة الجماعية القديمة: [1]

                  (أ) المنجنيق والعرادة :

                  هذا السلاح شديد النكاية بالأعداء، بعيد الأثر في قتالهم، فبحجارته تهدم الحصون والأبراج، وبقنابله تحرق الدور والمعسكرات، وهو يشبه سلاح المدفعية الحديثة.

                  والعرادة آلة من آلات الحرب القديمة، وهي منجنيق صغير.

                  وقد كان الإنسان أول مرة يحارب بالحجر يرميه بيده، ثم اتخذ المقلاع بعد ذلك لتكون رميته بعيدة قوية، ثم فكر في طريقة لرمي حجارة أكبر ولهدف أبعد، فهداه تفكيره إلى المنجنيق، واتخذه أولا على هـيئة (الشادوف) الذي يسقي به قسم من الفلاحين زرعهم، وهو عبارة عن رافعة، محور الارتكاز فيها في الوسط، والقوة في ناحية والمقاومة في أخرى، على أن يكون ثقل الحجارة هـو المحرك له، بحيث إذا هـوى الثقل ارتفع الشيء المرمى في كفته.

                  وقد جعل في أول أمره على شكل قاعدة من الخشب السميك، مربعة أو مستطيلة يرتفع في وسطها عمود خشبي قوي، ثم يركب في أعلاه ذراع [ ص: 161 ] المنجنيق قابلا للحركة كذراع الشادوف، بحيث يكون ربعه تقريبا للأسفل، يتدلى منه صندوق خشبي، مملوء بالرصاص والحجارة والحديد أو نحوها، ويختلف حجمه باختلاف المنجنيق، وتكون ثلاثة أرباع الذراع للأعلى، تتدلى من نهايتها شبكة مصنوعة من حبال قوية، يوضع فيها الحجر المراد قذفه، وعند القذف به يجذب أعلى الذراع إلى الأرض بقوة الرجال، فيرتفع الثقل المقابل من الحجارة والرصاص والحديد الذي بالصندوق، ثم تترك الذراع فجأة فيهوي الثقل، ويرتفع أعلى الذراع بالشبكة قاذفا ما فيها من الحجارة إلى الهدف المعين (انظر الشكل رقم 8) .

                  وبمرور الزمن، شمل التحسين هـذا السلاح، فصار يصنع من القاعدة المتقدمة نفسها، وفوقها قاعدة أخرى على شكل مربع ناقص ضلع من أسفل، ثم تركب ذراع المنجنيق في وسط السطح العلوي لهذه القاعدة، بحيث تكون قابلة للحركة، وبحيث يكون ثقل الرصاص في الناحية القصيرة السفلى، ثم يسحب الذراع كما سبق ذكره وتترك فجأة فيهوي الثقل بشدة، وتصدم الذراع بالعارضة السفلى في المربع، فتقذف الشبكة ما فيها بشدة، لاصطدام الذراع بالحائط الخشبي (انظر الشكل رقم9) .

                  وبعد أن شاع استعمال هـذا السلاح، لحقه كثير من التطوير، فعرف منه نوع قوي يعمل بقوة الأوتار، وهو عبارة عن قاعدة مصنوعة من كتل خشبية ضخمة، تجر بقوة الرجال على الزحافات أو العجلات الصغيرة، وقد ارتفعت القاعدة من ناحية على شكل جدار خشبي، وثبت الذراع في أسفل القاعدة القابلة للحركة، وخلفها وتر قوي مستعرض يمنع سحبها للخلف، بينما ربطت بحبال مثبتة إلى مؤخرة القاعدة تجذبها إلى الخلف، وعند الرمي يلف الرجال العمود الخشبي المربوط به الذراع، [ ص: 162 ]



                  شكل رقم (8-9) [ ص: 163 ]

                  فتجذب الذراع إلى الخلف، فيمتد الوتر الذي خلفها إلى نهايته، ثم يوضع الجسم المراد رميه في كفة الذراع، ثم تفك الحبال الخلفية مرة واحدة، فيجذبها الوتر بقوة عند انكماشه، فتصدم الذراع بالحائط الخشبي المثبت أمامها بقوة، فترمي رميتها كأبعد وأقوى ما يكون الرمي. [2]

                  ولم يستخدم العرب في الجاهلية المنجنيق، وأول من استعمله الرسول صلى الله عليه وسلم في حصار مدينة الطائف [3]

                  (ب) الدبابـة :

                  الدبابة آلة تتخذ للحرب وهدم الحصون [4] ، وسميت بذلك لأنها تدب حتى تصل إلى الحصون، ثم يعمل الرجال الذين بداخلها في ثقب أسوارها بالآلات التي تحفر.

                  والضبر هـي الدبابة تتخذ من خشب يغشى بالجلد، يحتمي بها الرجال ويتقدمون بها إلى الحصون لدق جدرانها ونقبها [5]

                  وكانت الدبابة أول الأمر عبارة عن هـودج مصنوع من كتل خشبية صلبة، على هـيئة برج مربع، له سقف من ذلك الخشب ولا أرض له، وبين كتل البرج مسافات قليلة يستطيع الرجال العمل من خلالها، وقد ثبت هـذا الهودج على قاعدة خشبية، لها عجلات أربع أو أكثر، أو بكرات صغيرة كالعجل، متخذين منها درعا يقيهم سهام الأعداء من فوق الأسوار، أو دفعوها وهم بداخلها، فإذا ألصقوها بالسور عملوا من داخلها بمساعدة آلات الحفر الحديدية، على نقض حجارة السور، من الموضع الذي أوهنته حجارة المنجنيق، وكلما نقضوا منه قدرا علقوه بدعائم خشبية، حتى لا ينهار السور عليهم. فإذا فرغوا من عمل فجوة متسعة فيه، دهنوا [ ص: 164 ]



                  شكل رقم (10) [ ص: 165 ]

                  الأخشاب بالنفط، ثم أشعلوا فيها النار، وانسحبوا إلى الدبابة، فإذا احترقت الأخشاب انهار السور مرة واحدة، تاركا ثغرة صالحة للاقتحام منها. [6]

                  واستعمل النبي صلى الله عليه وسلم الدبابة في غزوة حصار الطائف [7] ، ثم أدخل المسلمون عليها كثيرا من التحسينات، حتى صارت ضخمة كثيرة العجل، فجعلوها برجا مرتفعا بارتفاع السور، وبداخلها سلالم مستعرضة تنتهي إلى شرفات فيها، تقابل شرفات الحصن، فيصعد الرجال في أعلاها، ويستعلون على السور وينتقلون من شرفاتها إليه، ثم يطردون منه رماة الأعداء.

                  وبمرور الزمن زاد المسلمون من حجم الدبابة، فصاروا يصنعونها كبيرة بحيث تجر على ست عجلات أو ثماني عجلات، وتتسع الواحدة لعشرة رجال أو أكثر، يعملون بها على نقب السور، فهي سلاح يتعاون مع المنجنيق.

                  (ج) رأس الكبش وسلم الحصار:

                  يحمل رأس الكبش داخل برج خشبي، أو داخل دبابة، وهي عبارة عن كتلة خشبية ضخمة مستديرة، يبلغ طولها حوالي عشرة أمتار أو أكثر، قد ركب في نهايتها مما يلي العدو، رأس من الحديد أو الفولاذ، تشبه رأس الكبش تماما بقرونها وجبهتها، كما يركب السنان الحديدي على الرمح الخشبي، وتتدلى هـذه الكتلة من سطح البرج أو الدبابة، محمولة بسلاسل أو حبال قوية تربطها من موضعين، فإذا أراد الجند هـدم سور أو باب قربوا البرج منه، ثم وقفوا داخله على العوارض الخشبية، ثم يأخذون في أرجحة رأس الكبش للخلف والأمام، وهو معلق بالسلاسل، ويصدمون به [ ص: 166 ]



                  شكل رقم (11) [ ص: 167 ]

                  السور عدة مرات، حتى تنهار حجارته، فيعملون على نقبه وهدمه. (انظر الشكل 12) .

                  وفي كثير من الحالات، كان رأس الكبش يحمل داخل الدبابة الكبيرة ذات البرج، في الجزء السفلي منها، لاستخدامه عند الحاجة إليه.

                  أما السلم، فهو من آلات الحصار أيضا، وهو يساعد المحاصر على اعتلاء الأسوار وفتح مغاليق الحصون.

                  وبمرور الزمن صارت السلالم تصنع من الأخشاب والحديد، مرتفعة بارتفاع السور تقريبا، يصعد فيها الرجال بعد أن يسندوها إلى السور من مكان أمين. (انظر الشكل 13) .

                  واهتم المسلمون بالسلالم لأهميتها في اعتلاء الأسوار واقتحام الحصون، فطوروها وأدخلوا التحسينات عليها، فصار السلم بعد ذلك يصنع على قاعدة خشبية كبيرة تساعد على إثباته. وأحيانا كان يقام عليها سلمان يلتقيان في النهاية العلوية، ليدعم كل منهما الآخر، وجعلوا لهذه القاعدة بكرات من خشب أو عجلات ثابتة، ليسهل بها نقله من مكان إلى آخر، ثم أكثروا من أعداد السلم في الجيوش، وصار من أهم آلات الحصار كالمنجنيق والدبابة وغيرهما.

                  التالي السابق


                  الخدمات العلمية