الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                  [6] المحافظة على حقائق التاريخ:

                  أعاد قسم من الإخوة العسكريين كتابه بعض معارك الفتح الإسلامي خاصة، كمعركة القادسية ومعركة اليرموك ، ومعركة نهاوند التي أطلق عليها بحق: معركة فتح الفتوح، ومعركة حصن بابليون ، فحملوا تلك المعارك ما لا تطيق وما لا ينبغي أن تتحمل، إذ جعلوا منها معارك حديثة من آخر طراز وما هـي كذلك، ولا يمكن أن تكون كذلك، وشتان بين معركة جرت قبل أربعة عشر قرنا، وبين معركة جرت قبل سنوات معدودات.

                  وقد تتشابه المعركة القديمة والمعركة الحديثة في تطبيق قسم من مبادئ الحرب المعروفة والثابتة التي لا تتغير، أما في أساليب القتال، فالتشابه [ ص: 47 ] بينهما غير وارد، لاختلاف الأساليب القتالية باختلاف الأسلحة المستخدمة في القتال وتطورها وتعداد المقاتلين وتنظيمهم وتسليحهم وتجهيزهم وباختلاف عقائدهم القتالية.

                  والأساليب القتالية تتغير عبر القرون، أما مبادئ الحرب فثابتة لا تتغير.

                  والدروس المستنبطة من معارك الفتوح الإسلامية بالنسبة لمبادئ الحرب الثابتة قيمة جدا ومفيدة للغاية، وبالإمكان أن نقنع بهذه الفائدة الكبيرة دون أن نجعل من المعارك بعد إعادة كتابة تاريخها أن تحافظ على اسمها التاريخي فقط ولا تحتفظ بمضمونها التاريخي الأصيل.

                  وإذا لم يستطع الذين يعيدون كتابة معارك الفتوح وغيرها من المعارك، أن يحتفظوا بالحقائق التاريخية، ويحافظوا على أصالتها، فما أعادوا كتابة تاريخ تلك المعارك، بل مسخوا تاريخه مسخا وشوهوها تشويها، والأفضل لهم وللمسلمين وللتاريخ أن يريحوا ويستريحوا.

                  ومن الصعب جدا أن نقارن بين معركة إسلامية جرت قبل أربعة عشر قرنا، وبين معركة حديثة جرت في الحرب العالمية الثانية (1358هـ - 1365هـ) أي (1939م - 1945م) ، من ناحية التفاصيل والأساليب القتالية المتغيرة أبدا، وزج هـذه المقارنة بمناسبة وبدون مناسبة في مثل هـذا الموقف خطأ لا مسوغ له في أي حال من الأحوال.

                  والذين يقعون في مثل هـذا الخطأ، يحسبون أنهم يحسنون صنعا، بحجة أنهم يثبتون سبق المسلمين في هـذا الميدان، وما أحسنوا بل أساءوا إساءة بالغة؛ لأنهم جعلوا من العسكرية الإسلامية ذنبا للعسكرية [ ص: 48 ] الأجنبية، وهي ليست ذنبا بل رأسا، وقد يقتبس الحديث من القديم، والعكس ليس صحيحا بل مستحيلا.

                  كما أن العسكرية الإسلامية رائدة؛ لأنها استطاعت فتح بلاد شاسعة تضم في الوقت الحاضر سبعا وثمانين مملكة وجمهورية وإمارة ومشيخة ومستعمرة في آسيا وأوروبا وإفريقية ، ولو لم تكن عسكرية رائدة لما استطاعت بمثل هـذه السرعة المذهلة تحقيق كل هـذه الانتصارات السريعة الحاسمة الباهرة الباقية.

                  ولست أجهل أن حسن النية وإسباغ المفاخر على المعارك الإسلامية حبا في العرب والمسلمين من أسباب الوقوع في هـذا الخطأ الشنيع.

                  ولكنني أخشى أن تكون من أسبابه ابتلاء عقول قسم من الذين أعادوا كتابة تاريخ الفتوح الإسلامية من عسكريين ومدنيين عربا ومسلمين بالاستعمار الفكري البغيض، وانبهارهم الخطر بالعسكرية الأجنبية، واعتمادهم في إعادة كتابة تاريخ المعارك الإسلامية على المصادر الأجنبية وحدها.

                  إن المطلوب من الذين يعيدون كتابة تاريخ المعارك الإسلامية، المحافظة على حقائق التاريخ وأصالة المعارك، بأسلوب حديث ومنهج واضح.

                  والمطلوب منهم أن يبقوها عربية إسلامية، ولا يمسخوها أعجمية أجنبية!! [ ص: 49 ]

                  التالي السابق


                  الخدمات العلمية