3511 ص: فقد اتفقت هذه الآثار كلها عن النبي - عليه السلام - في . واختلف فيما دون الثلاث ، فنظرنا في ذلك ، فوجدنا النهي عن السفر بلا محرم مسيرة ثلاثة أيام فصاعدا ثابتا بهذه الآثار كلها ، وكان توقيته ثلاثة أيام في ذلك إباحة السفر دون الثلاث لها بغير محرم ، ، ولولا ذلك لما كان لذكره الثلاث معنى ، ولنهى نهيا مطلقا ولم يتكلم بكلام يكون فضلا ، ولكنه ذكر الثلاث ليعلم أن ما دونها بخلافها ، وهكذا الحكيم يتكلم من الكلام بما يدل على غيره ليغنيه عن ذكر ما يدل كلامه ذلك عليه ، ولا يتكلم بالكلام الذي لا يدل على غيره وهو يقدر أن يتكلم بكلام يدل على غيره ، وهذا تفضيل من الله - عز وجل - لنبيه - عليه السلام - بذلك ، إذ آتاه جوامع الكلم الذي ليس في طبع غيره القوة عليه ، ثم رجعنا إلى ما كنا فيه ، فلما [ ص: 22 ] ذكر الثلاث ، وثبت بذكره إياها إباحة ما هو دونها ، ثم ما روي عنه في منعها من السفر دون الثلاث من اليوم واليومين والبريد ، فكل واحد من تلك الآثار ومن الأثر المروي في الثلاث متى كان بعد الذي خالفه نسخه ، إن كان النهي عن سفر اليوم بلا محرم بعد النهي عن سفر الثلاث بلا محرم ، ، فهو ناسخ ، وإن كان خبر الثلاث هو المتأخر عنه فهو ناسخ ، فقد ثبت أن أحد المعاني التي دون الثلاث ناسخة للثلاث أو الثلاث ناسخة لها ، فلم يخل خبر الثلاث من أحد وجهين : إما أن يكون هو المتقدم ، أو أن يكون هو المتأخر ، فإن كان هو المتقدم فقد أباح السفر بأقل من ثلاث بلا محرم ، ، ثم جاء بعده النهي عن سفر ما هو دون الثلاث بغير محرم ، ، فحرم ما حرم الحديث الأول ، وزاد عليه حرمة أخرى وهي ما بينه وبين الثلاث ، فوجب استعمال الثلاث على ما أوجبه الأثر المذكور فيه وإن كان هو المتأخر وغيره المتقدم فهو ناسخ لما تقدمه والذي تقدمه غير واجب العمل به ، فحديث الثلاث واجب استعماله على الأحوال كلها ، وما خالفه فقد يجب استعماله إن كان هو المتأخر ، ولا يجب إن كان هو المتقدم ، فالذي قد وجب علينا استعماله والأخذ به في كلا الوجهين أولى مما قد يجب استعماله في حال وتركه في حال ، وفي ثبوت ما ذكرنا دليل على أن المرأة ليس لها أن تحج إذا كان بينها وبين الحج مسيرة ثلاثة أيام إلا مع محرم ، ، فإذا عدمت المحرم ، وكان بينها وبين تحريم السفر ثلاثة أيام على المرأة بغير ذي محرم ، مكة المسافة التي ذكرنا فهي غير واجدة للسبيل الذي يجب عليها الحج بوجوده .