الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                صفحة جزء
                                                3693 3694 3695 3696 3697 ص: وقد روينا عن ابن عمر من رأيه خلافا لذلك أيضا .

                                                حدثنا ابن مرزوق ، قال : ثنا عبد الصمد بن عبد الوارث ، قال : ثنا شعبة ، قال : ثنا صدقة بن يسار وأبو يعفور ، سمعا ابن عمر يقول : " لأن أعتمر في العشر الأول من ذي الحجة أحب إلي من أن أعتمر في العشر البواقي" .

                                                حدثنا يونس ، قال : ثنا سفيان ، قال : ثنا صدقة بن يسار ، سمع ابن عمر يقول : "عمرة في العشر الأول من ذي الحجة أحب إلي من أن أعتمر في العشر البواقي . ) . فحدثت به نافعا ، فقال : نعم عمرة فيها هدي أو صيام أحب إليه من عمرة ليس فيها هدي ولا صيام" .

                                                حدثنا محمد بن خزيمة ، قال : ثنا حجاج ، قال : ثنا حماد ، عن عطاء بن السائب ، عن كثير بن جمهان ، قال : "حججنا وفينا رجل أعجمي فلبى بالعمرة والحج فعبنا ذلك عليه فسألنا ابن عمر ، فقلنا : إن رجلا منا لبى بالعمرة والحج فما كفارته ؟ قال : يرجع بأجرين وترجعون أنتم بأجر واحد" .

                                                [ ص: 206 ] حدثنا يونس ، قال : ثنا ابن وهب ، أن مالكا حدثه عن صدقة بن يسار ، عن عبد الله بن عمر - رضي الله عنه - قال : " والله لأن أعتمر قبل الحج وأهدي أحب إلي من أن أعتمر بعد الحج ، في ذي الحجة" . ) .

                                                فهذا عبد الله بن عمر أيضا فضل العمرة التي في أشهر الحج ، على العمرة التي في غير أشهر الحج . فدل ذلك على صحة ما روى ابن عباس عن عمر - رضي الله عنهم - لأن ابن عمر لو كان سمع ذلك من عمر كما في حديث عقيل عن الزهري ، إذا لما قال بخلاف ذلك ؛ لأنه قد سمع أباه قاله بحضرة أصحاب النبي - عليه السلام - لا ينكره عليه منكر ولا يدفعه عنه دافع وهو أيضا فلا يدفعه عنه ولا يقول له أن رسول الله - عليه السلام - قد كان فعل هذا ولكن المحكي في ذلك عن عمر - رضي الله عنه - هو إرادة عمر أن يزار البيت ، وباقي الكلام بعد ذلك ، فكلام سالم ، خلطه الزهري بروايته فلم يتميزا .

                                                التالي السابق


                                                ش: أي قد روينا عن عبد الله بن عمر من رأي نفسه واجتهاده خلافا لما روي عن عمر ، من كون إتمام العمرة في غير أشهر الحج ، فإن ابن عمر قال : "لأن أعتمر في العشر الأول من ذي الحجة أحب إلي من أن أعتمر في العشر البواقي" لأنه يكون بذلك متمتعا ويكون فيه هدي أو صيام إن لم يوجد الهدي والدليل عليه قول نافع : عمرة فيها هدي أو صيام أحب إليه - أي إلى ابن عمر - من عمرة ليس فيها هدي ولا صيام ، ولأنه جمع بين نسكين وفيه أجران والدليل عليه قول ابن عمر لما سئل عن رجل لبى بالعمرة والحج : "يرجع بأجرين وترجعون أنتم بأجر واحد" فهذا عبد الله بن عمر فضل العمرة التي تكون في أشهر الحج على العمرة التي تكون في غيرها فدل ذلك على صحة ما روى عبد الله بن عباس ، عن عمر بن الخطاب : " سمعت النبي - عليه السلام - وهو بالعقيق يقول : أتاني الليلة آت من ربي فقال : صل في هذا الوادي المبارك ، وقل : عمرة في حجة" وذلك لأن ابن عمر لو كان سمع ذلك من أبيه عمر بن الخطاب كما في حديث عقيل بن خالد عن محمد بن مسلم [ ص: 207 ] الزهري قال : قلت لسالم : لم نهى عمر عن المتعة وقد فعل ذلك رسول الله - عليه السلام - وفعلها الناس معه ؟ فقال : أخبرني عبد الله بن عمر ، أن عمر قال : إن أتم العمرة أن تفردوها في أشهر الحج . . . " الحديث .

                                                لما قال ابن عمر بخلاف ذلك لأنه على هذا التقدير قد يكون سمع أباه قال ذلك بحضرة أصحاب النبي - عليه السلام - من غير إنكار منكر عليه ولا رد راد وعبد الله أيضا لم يكن له أن يدفعه ولكن المحكي في هذا عن عمر بن الخطاب هو إرادته أن يزار البيت مرتين في سنة واحدة ، وباقي الكلام من كلام سالم بن عبد الله قد خلطه الزهري بروايته بحيث لم يتميز كلام عمر عن كلام سالم وهو معنى قوله : "فلم يتميزا" بضمير التثنية .

                                                ثم إنه أخرج ما روي عن ابن عمر من رأيه من أربع طرق صحاح :

                                                الأول : عن إبراهيم بن مرزوق ، عن عبد الصمد بن عبد الوارث بن سعيد البصري ، روى له الجماعة ، عن شعبة ، عن صدقة بن يسار الجزري وثقه يحيى وأبو داود وروى له مسلم وأبو داود والنسائي وابن ماجه ، وعن أبي يعفور العبدي الكوفي واسمه وقدان وهو أبو يعفور الكبير روى له الجماعة فكلاهما سمعا عبد الله بن عمر .

                                                وأخرجه ابن أبي شيبة في "مصنفه" : ثنا وكيع ، عن سفيان ، عن صدقة بن يسار ، قال : سمعت ابن عمر يقول : "العمرة في العشر أحب إلي من العمرة بعد الحج" .

                                                الثاني : عن يونس بن عبد الأعلى ، عن سفيان بن عيينة ، عن صدقة بن يسار . . . إلى آخره .

                                                الثالث : عن محمد بن خزيمة عن حجاج بن منهال الأنماطي شيخ البخاري ، عن حماد بن سلمة ، عن عطاء بن السائب بن مالك الكوفي روى له البخاري متابعة [ ص: 208 ] حديثا واحدا والأربعة ، عن كثير بن جمهان السلمي أبي جعفر الكوفي وثقه ابن حبان وروى له الأربعة حديثا واحدا في المشي بين الصفا والمروة .

                                                وأخرجه ابن أبي شيبة في "مصنفه" : ثنا محمد بن فضيل ، عن عطاء بن السائب ، عن كثير بن جمهان ، قال : "خرجنا حجاجا ومعنا رجل من أهل الجبل لم يحج قط ، فأهل بحجة وعمرة ، فعاب ذلك عليه أصحابنا ، قال : فنزلنا قريبا من ابن عمر ، قال : فقلنا له : إن معنا رجلا من أهل الجبل لم يحج قط ، فأهل بحجة وعمرة ، فعاب ذلك عليه أصحابنا فما كفارته ؟ قال : كفارته أن يرجع بأجرين وترجعون بواحد" .

                                                الرابع : عن يونس بن عبد الأعلى ، عن عبد الله بن وهب ، عن مالك . . . إلى آخره .

                                                وأخرجه مالك في "موطأه" والبيهقي في "سننه" : من حديث مالك . . . إلى آخره .

                                                وفي "شرح الموطأ" للإشبيلي : قوله : "قبل الحج " يريد أشهر الحج ويهدي ، لأنه يكون متمتعا فرأى أن النقض يدخل على الحج والعمرة بفعل العمرة في أشهر الحج ، فرأى فعلها قبل الحج أفضل ، لأنه يخبر بذلك الخبر أن المشروع فيه بالهدي لا يخبره إذا فعلها بعد الحج ، وهذا يقتضي أن جميع ذي الحجة عنده من أشهر الحج ، فقلت : لا نسلم أنه يقتضي ذلك لأنه كان يفضل العمرة التي في أشهر الحج على العمرة التي في غير أشهر الحج والعمرة إذا كانت بعد الحج تكون في غير أيام الحج ؛ لأن الحج يفرغ منه يوم النحر وهو العاشر من ذي الحجة ، فبخروج العاشر من ذي الحجة تخرج أيام الحج والله أعلم .




                                                الخدمات العلمية