الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                صفحة جزء
                                                3766 ص: فإن قال قائل : فلم تبيحون قتل الذئب ؟ قيل له : لأن النبي - عليه السلام - قال : "خمس من الدواب يقتلن في الحرم والإحرام فذكر الخمس ما هن ، فذكر الخمس [ ص: 287 ] يدل على أن غير الخمس حكمه غير حكمهن وإلا لم يكن لذكر الخمس معنى ، فالذين أباحوا قتل الذئب أباحوا قتل جميع السباع ، ، والذين منعوا قتل الذئب حظروا قتل سائر السباع ، غير الكلب العقور خاصة ، وثبت خروج الضبع من القتل ، ولم يكن كلبا عقورا ، وثبت أن الكلب العقور هو الكلب الذي تعرفه العامة .

                                                التالي السابق


                                                ش: تقرير السؤال أن يقال : إن العلة في قتل الكلب العقور هو عدوه على بني آدم وابتداؤه بالأذى ، فهذا المعنى موجود في الذئب بل الذئب أحرى من الكلب في ذلك ، فكان ينبغي أن يباح قتل الذئب للمحرم كالكلب العقور ، حتى أن زفر حمل الكلب العقور على الذئب .

                                                وتقدير الجواب أن النبي - عليه السلام - نص على قتل خمس من الدواب في الحرم والإحرام ، وبين الخمس ما هن ، فدل هذا أن حكم غير هذه الخمس غير حكم الخمس ، وإلا لم يكن لتنصيصه على الخمس فائدة ، فالذئب خارج من الخمس ، فلا يباح قتله إلا إذا بدأنا بالأذى ، وقال عياض : ظاهر قول الجمهور أن المراد أعيان ما سمي في هذا الحديث ، وهو ظاهر قول مالك وأبي حنيفة ، ولهذا قال مالك : لا يقتل المحرم الوزغ ، وإن قتله فداه ، ولا يقتل خنزيرا ولا قردا مما لا يطلق عليه اسم كلب في اللغة ، إذ جعل الكلب صفة فيه لا اسما ، وهو قول كافة العلماء ، وإنما قال رسول الله - عليه السلام - خمس ، فليس لأحد أن يجعلهن ستا ولا سبعا ، وقال أيضا : مالك والشافعي يريان أن التحريم متعلق بمعاني هذه الخمس دون أسمائها ، وأنها إنما ذكرت لينبه بها على ما يشاركها في العلة ولكنهما اختلفا في العلة ما هي ؟ فقال الشافعي : العلة أن لحومها لا تؤكل ، وكذلك كل ما لا يؤكل لحمه في الصيد مثلها ، ورأى مالك أن العلة كونها مضرة لينبه به على ما يضر الأبدان ، على جهة المواجهة والمغالبة ، وذكر العقرب لينبه به على ما يضر بالأجسام على جهة الاختلاس ، وكذلك ذكر الحدأة والغراب ، للتنبيه على ما يضر بالأموال مجاهرة ، وذكر الفأرة للتنبيه على ما يضر بالأموال اختفاء .

                                                [ ص: 288 ] قوله : "فالذين أباحوا" أي القوم الذين أباحوا قتل الذئب للمحرم وأراد بهم : الثوري والشافعي وأحمد وابن عيينة وزيد بن أسلم ، فإنهم قالوا : لفظة الكلب لم تختص بالاسم ، وإنما ينطلق على كل عاد مفترس غالبا كالسباع والفهد والذئب .

                                                قوله : "والذين منعوا" أي القوم الذين منعوا ، وأراد بهم : الأوزاعي وأبو حنيفة وأصحابه والحسن بن حي .

                                                قوله : "حظروا" أي منعوا ، من قولهم : حظرت الشيء إذا منعته ، وهو في الأصل راجع إلى المنع ، لأن الحظر هو المنع ، قال تعالى : وما كان عطاء ربك محظورا أي ممنوعا .




                                                الخدمات العلمية