الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                صفحة جزء
                                                3784 3785 ص: حدثنا ربيع المؤذن ، قال : ثنا أسد (ح). .

                                                وحدثنا محمد بن خزيمة ، قال : ثنا حجاج ، قال : ثنا حماد بن سلمة ، عن علي بن زيد ، عن عبد الله بن الحارث بن نوفل : " أن عثمان بن عفان - رضي الله عنه - نزل قديدا ، ، فأتي بالحجل في الجفان شائلة بأرجلها ، فأرسل إلى علي - رضي الله عنه - وهو يضفز بعيرا له ، فجاءه والخبط يتحات من يديه فأمسك علي - رضي الله عنه - وأمسك الناس ، فقال علي - رضي الله عنه - : من ها هنا من أشجع ؟ هل علمتم من رسول الله - عليه السلام - جاءه أعرابي ببيضات نعام وتتمير وحش ، فقال : أطعمهن أهلك ، فإنا حرم ، قالوا نعم" . .

                                                التالي السابق


                                                ش: هذان طريقان :

                                                الأول : عن ربيع بن سليمان المؤذن صاحب الشافعي ، عن أسد بن موسى ، أسد السنة ، عن حماد بن سلمة ، عن علي بن زيد بن جدعان البصري المكفوف ، فيه مقال فعن أحمد ليس بالقوي ، وعن يحيى ضعيف ، وعنه ليس بحجة ، وقال العجلي : كان يتشيع لا بأس به . وقال الترمذي : صدوق إلا أنه ربما رفع الشيء الذي يوقفه غيره ، روى له مسلم مقرونا بنائب القناني واحتج به الأربعة .

                                                عن عبد الله بن الحارث بن نوفل بن الحارث بن عبد المطلب بن هاشم بن عبد مناف القرشي الهاشمي روى له الجماعة .

                                                وأخرجه أحمد في "مسنده" : ثنا عفان ، نا حماد بن سلمة ، أنا علي بن زيد ، عن عبد الله بن الحارث بن نوفل : "أن عثمان نزل قديدا ، فأتي بالحجل . . . " إلى آخره [ ص: 304 ] نحو رواية الطحاوي غير أن بعد قوله : قالوا بلى فتورك عثمان عن سريره ونزل ، فقال : خبثت علينا" .

                                                وأخرجه عبد الله بن أحمد : حدثني هدبة ، عن خالد ، نا همام نا علي بن زيد ، عن عبد الله بن الحارث : "أن أباه ولي طعام عثمان ، قال : فكأني أنظر إلى الحجل حوالي الجفان ، فجاء رجل فقال إن عليا - رضي الله عنه - يكره هذا ، فبعث إلى علي وهو ملطخ بدنه بالحبط ، فقال : إنك لكثير الخلاف علينا ، فقال علي: أذكر الله من شهد النبي - عليه السلام - أتي بعجز حمار وحش وهو محرم ، فقال : إنا محرمون فأطعموه أهل الحل ؟ فقام رجال فشهدوا ، ثم قال : أذكر الله رجلا شهد النبي - عليه السلام - أتي بخمس بيضات - بيض نعام - فقال : إنا محرمون فأطعموه أهل الحل ؟ فقام رجال فشهدوا ، فقام عثمان - رضي الله عنه - فدخل فسطاطه وتركوا الطعام على أهل الماء" .

                                                الثاني : عن محمد بن خزيمة ، عن حجاج بن المنهال شيخ البخاري ، عن حماد بن سلمة ، عن علي بن زيد . . . إلى آخره .

                                                وأخرجه أبو داود : نا محمد بن كثير ، قال : نا سليمان بن كثير ، عن حميد الطويل ، عن إسحاق بن عبد الله بن الحارث ، عن أبيه قال : وكان الحارث خليفة عثمان - رضي الله عنه - على الطائف ، فصنع لعثمان طعاما وصنع فيه من الحجل واليعاقيب ولحوم الوحش ، قال : فبعث إلى علي بن أبي طالب - رضي الله عنه - فجاءه الرسول وهو يخبط لأباعر له ، فجاء وهو ينفض الخبط عن يده ، فقالوا له : كل ، قال : أطعموا قوما حلالا فأنا محرم ، قال علي : أنشد من كان ها هنا من أشجع ، أتشهدون أن رسول الله - عليه السلام - أهدى إليه رجل حمار وحش وهو محرم فأبى أن يأكله ؟ قالوا : نعم " .

                                                قوله : "نزل قديدا " هو اسم موضع قد ذكرناه .

                                                [ ص: 305 ] قوله : "بالحجل" بفتح الحاء والجيم وهو [القبج] الطائر المعروف ، واحده حجلة .

                                                "والجفان" جمع "جفنة" وهي القصعة .

                                                قوله : "شائلة" نصب على الحال من الحجل .

                                                قوله : "وهو يضفز بعيرا له" بالضاد والزاي المعجمتين بينهما فاء ، يقال : ضفزت البعير إذا علفته الضفائز ، وهي اللقم الكبار ، واحدتها ضفيزة ، والضفيز شعير يجرش وتعلفه الإبل .

                                                قوله : "والخبط يتحات من يديه" جملة اسمية وقعت حالا من الضمير المرفوع في "فجاءه" والخبط بفتح الخاء المعجمة والباء الموحدة ، على وزن فعل بالتحريك بمعنى مفعول ، وهو الورق الساقط من الشجر ، وهو من علف الإبل ، والخبط بالتسكين ضرب الشجرة بالعصي ليتناثر ورقها ، والمخبط بكسر الميم العصي الذي يخبط به الشجرة ، ومعنى يتحات : يتساقط ويتناثر .

                                                قوله : "من أشجع " بسكون الشين المعجمة وفتح الجيم بعدها عين مهملة ، هو أشجع بن ريث بن غطفان بن سعد بن قيس [بن] غيلان بن مضر ، بطن وقيل : قبيلة ، والأول أظهر .

                                                قوله : "وتتمير وحش" التتمير قطع اللحم صغارا كالتمر وتجفيفه وتنشيفه ، وأراد به ما قدد من لحوم الوحش .

                                                قوله : "فأنا حرم" بضمتين ، جمع حرام .

                                                و "اليعاقيب" جمع يعقوب وهو الذكر .

                                                يستفاد منه : جواز أكل لحم الحجل ، ولحم الحمر الوحش ، والنعام وبيضها .

                                                [ ص: 306 ] وفيه دلالة على فضيلة علي بن أبي طالب وغزارة علمه ، وغاية مسكنته وتواضعه .

                                                وفيه أن الإمام إذا أشكل عليه أمر سعى له ، بل يجب عليه أن يسأل أهل العلم .




                                                الخدمات العلمية