الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                صفحة جزء
                                                3683 3684 3685 [ ص: 196 ] ص: وقد روي عن ابن عباس عن عمر - رضي الله عنهم - ما يدل على ذلك أيضا ، حدثنا محمد بن عبد الله بن ميمون ، قال : ثنا الوليد بن مسلم ، قال : ثنا الأوزاعي ، قال : ثنا يحيى بن أبي كثير ، عن عكرمة ، عن أبي سفيان عن عمر قال : سمعت النبي - عليه السلام - وهو بالعقيق ، يقول : " أتاني الليلة آت من ربي فقال : صل في هذا الوادي المبارك وقل : عمرة في حجة" .

                                                حدثنا ابن مرزوق ، قال : ثنا هارون بن إسماعيل ، قال : ثنا علي بن المبارك ، قال : ثنا يحيى بن أبي كثير . . . ، فذكر بإسناده مثله .

                                                فأخبر عمر - رضي الله عنه - في هذا الحديث عن رسول الله - عليه السلام - أنه آتاه آت من ربه فقال له : قل : عمرة في حجة فلما كان رسول الله - عليه السلام - قد كان أمر أن يجعل عمرة في حجة استحال أن يكون ما فعل خلافا لما أمر به .

                                                التالي السابق


                                                ش: قد روي عن عبد الله بن عباس عن عمر بن الخطاب ما يدل على وجود القران وعلى أفضليته وعلى أن النبي - عليه السلام - كان قارنا في حجة الوداع وهذا ظاهر لأنه - عليه السلام - أمر أن يقول : عمرة في حجة فيكون مأمورا بأن يجمع بينهما في الميقات وهذا هو عين القران فإذا كان مأمورا به استحال أن يكون حجه بخلاف ما أمر به ، فإن قيل : لا نسلم ذلك ولا يدل ذلك على أفضلية القران ولا على كون النبي - عليه السلام - قارنا ؛ لأنه جاء في رواية أخرى : "قل عمرة وحجة" ففصل بينهما فحينئذ يحتمل أن يريد أن يحرم بعمرة إذا فرغ من حجته قبل أن يرجع إلى منزله فكأنه قال : إذا حججت فقل : لبيك بعمرة وتكون في حجتك التي حججت أو يكون محمولا على معنى تحصيلهما معا .

                                                قلت : رواية البخاري وغيره : "قل عمرة في حجة" وهذه هي الصحيحة وهي تدل على أنه - عليه السلام - أمر أن يجعل العمرة في الحجة وهي صفة القران وكذلك الرواية التي فيها واو العطف تدل على ما ذكرنا ؛ لأن الواو لمطلق الجمع والجمع بين الحج والعمرة هو القران وما ذكروه من الاحتمال بعيد وصرف اللفظ إلى غير مدلوله فافهم .

                                                [ ص: 197 ] ثم إنه أخرج الحديث من طريقين صحيحين :

                                                الأول : عن محمد بن عبد الله بن ميمون السكري الإسكندراني شيخ أبي داود والنسائي ، عن الوليد بن مسلم الدمشقي ، عن عبد الرحمن بن عمرو الأوزاعي . . . إلى آخره .

                                                وأخرجه البخاري : ثنا الحميدي ، نا الوليد وبشر بن بكر التنيسي ، قالا : ثنا الأوزاعي : ثنا يحيى ، قال : حدثني عكرمة ، أنه سمع ابن عباس يقول : إنه سمع عمر بن الخطاب يقول : " سمعت النبي - عليه السلام - بوادي العقيق يقول : أتاني الليلة آت من ربي فقال : صل في هذا الوادي المبارك ، وقيل : عمرة في حجة" .

                                                وأخرجه أبو داود وابن ماجه أيضا .

                                                الثاني : عن إبراهيم بن مرزوق ، عن هارون بن إسماعيل الخزاز البصري ، عن علي بن المبارك الهنائي البصري ، عن يحيى بن أبي كثير . . إلى آخره .

                                                وأخرجه البيهقي في "سننه" : من حديث أبي زيد الهروي ، ثنا علي بن المبارك ، ثنا يحيى ، حدثني عكرمة ، حدثني ابن عباس ، عن عمر قال : قال رسول الله - عليه السلام - : "أتاني جبريل وأنا بالعقيق فقال صل في هذا الوادي المبارك ركعتين وقيل : عمرة في حجة فقد دخلت العمرة في الحج إلى يوم القيامة" .

                                                ثم قال البيهقي : كذا قال علي بن المبارك : عن يحيى ، وخالفه الأوزاعي في أكثر الروايات عنه ، فقال : وقال عمرة في حجة.

                                                ثم أخرجه كذلك : من حديث الوليد بن مسلم وبشر بن بكر ، عن الأوزاعي ، ثم قال : وكذا قال شعيب بن إسحاق ومسكين بن بكير ، عن الأوزاعي ، فيكون ذلك إذنا في إدخال العمرة على الحج ؛ لا أنه أمر النبي - عليه السلام - بذلك في نفسه .

                                                [ ص: 198 ] قلت : أخرجه البخاري : في الحج من حديث بشر بن بكر والوليد بن مسلم .

                                                وفي كتاب الملاعنة : من حديث شعيب بن إسحاق كلهم عن الأوزاعي ولفظه : "وقل عمرة في حجة" .

                                                وأخرجه أبو داود : كذلك من حديث مسكين بن بكير .

                                                وابن ماجه : كذلك من حديث محمد بن مصعب والوليد بن مسلم كلهم عن الأوزاعي .

                                                وهذا أولى من رواية من قال : "وقال : عمرة في حجة" لأن الملك لا يلبي وإنما يعلم التلبية ، ولو صحت تلك الرواية نوفق بينهما ونقول : المراد : "قال : قل" فاختصره الراوي .

                                                قوله : "أتاني الليلة آت" أعم من جبريل وغيره ، ولكن في رواية البيهقي : "أتاني جبريل وأنا بالعقيق" .

                                                وقوله : "الليلة" نصب على الظرف "آت" اسم فاعل كقاض ، فاعل لقوله "أتاني" .




                                                الخدمات العلمية