الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                صفحة جزء
                                                3702 ص: فإن قال قائل : فكيف تقبلون مثل هذا عن عائشة وقد رويتم عنها في أول هذا الباب ما قد رويتم من إفراد رسول الله - عليه السلام - وعلى ما ذكرتم ؟ قيل له : ذلك عندنا والله أعلم ، على نظير ما صححنا عليه حديث ابن عباس فيكون ما قد علمت عائشة من أمر رسول الله - عليه السلام - أنه ابتدأ فأحرم بعمرة لم يقرنها حينئذ بحجة فمضى فيها على أن يحج وقت الحج ، فكان في ذلك متمتعا بها ، ثم أحرم بحجة منفردة في إحرامه بها لم يبتد معها إحراما بعمرة فصار بذلك قارنا لها إلى عمرته المتقدمة فقد كان في إحرامه على أشياء مختلفة ، كان في أوله متمتعا وصار محرما بحجة أفردها في إحرامه فلزمته مع العمرة التي قد كان قدمها ، فصار في معنى القارن والمتمتع وأرادت - يعني - عائشة بذكرها الإفراد خلافا للدين يروون أن النبي - عليه السلام - أهل بهما جميعا .

                                                التالي السابق


                                                ش: تقرير السؤال أن يقال : كيف تقبلون هذا الحديث عن عائشة وتحتجون به فيما ذهبتم إليه والحال أنكم قد رويتم عنها في أول الباب من طريق عن مالك ، عن عبد الرحمن بن القاسم عن أبيه ، عن عائشة : "أن رسول الله - عليه السلام - أفرد بالحج " ومن [ ص: 218 ] طريق إبراهيم ، عن عائشة قالت : "خرجنا ولا نرى إلا أنه الحج" ، وأراد بقوله : "وتمتعه" ما في حديثها الذي رواه محمد بن عبد الرحمن بن نوفل عن عروة عن عائشة قالت : "خرجنا مع رسول الله - عليه السلام - عام حجة الوداع" . الحديث .

                                                وتقرير الجواب : أن يقال : إنها أخبرت أولا بأنه - عليه السلام - أفرد الحج وذلك لأنها شاهدت أولا أنه أحرم بعمرة منفردة فمضى فيها على أن يحج وقت الحج فصار بذلك متمتعا ثم أحرم بحجة منفردة فصار بذلك قارنا فقد كان - عليه السلام - في إحرامه ذلك على أشياء مختلفة لأنه كان في أوله متمتعا وصار محرما بحجة أفردها في إحرامه فلزمته مع عمرته المتقدمة فصار بذلك في معنى القارن والمتمتع وهذا نظير ما ذكره في حديثي ابن عباس ثم إن عائشة - رضي الله عنها - أرادت بقولها : إن رسول الله - عليه السلام - أفرد الحج إنكارا على الذين رووا أن النبي أهل بالحج والعمرة معا في زمن واحد ولم ترد أنه - عليه السلام - كان عامئذ مفردا بالحج ، فافهم وقالأبو عمر : الاضطراب عن عائشة في حديثيها في الحج عظيم وقد أكثر العلماء في توجيه الروايات فيه ودفع بعضهم بعضها ببعض ولم يستطيعوا الجمع بينها .

                                                وقال القاضي عياض : قد أكثر الناس الكلام على هذه الأحاديث وعلماؤنا وغيرهم فمن مجيد منصف ومن مقصر متكلف ومن مطيل مكثر ومن مقتصد مختصر وأوسعهم نفسا في ذلك أبو جعفر الطحاوي المصري فإنه تكلم في ذلك على ألف ورقة وتكلم في ذلك أيضا معه أبو جعفر الطبري ، وبعدهم أبو عبد الله بن أبي صفرة وأخوه المهلب والقاضي أبو عبد الله بن المرابط والقاضي أبو الحسن ابن القصار البغدادي والحافظ أبو عمر بن عبد البر وغيرهم وأولى ما يقال في هذا على ما محصناه من كلامهم واخترناه من اختياراتهم ما هو أجمع للروايات وأشبه بمساق الأحاديث : أن النبي - عليه السلام - أتاح للناس فعل هذه الثلاثة الأشياء ليدل على جواز جميعها إذ لو أمر بواحد لكان غيره لا يجزئ وإذ كان - عليه السلام - لم يحج سوى هذه الحجة فأضيف الكل إليه وأخبر كل واحد بما أمره به وأباحه له ونسبه إلى النبي - عليه السلام - ، إما لأمره بذلك أو لتأويله عليه ، وقد قال بعض علمائنا : إنه - عليه السلام - أحرم منتظرا ما يؤمر [ ص: 219 ] به من إفراد أو تمتع أو قران ؛ إذ كان أمر بالآذان بالحج مطلقا فنقل ذلك عنه من سمعه حينئذ ثم زاد في تلبيته ذكر العمرة ، ولعل ذلك لقوله تعالى : وأتموا الحج والعمرة لله فنقل ذلك عنه من سمع القران ثم جاءه الوحي بالعقيق على ما جاء في الحديث الصحيح بقوله : "صل في هذا الوادي المبارك وقيل : عمرة في حجة" فنقل التمتع عنه من نقله ولعل من نقل القران نقله من هذا اللفظ .




                                                الخدمات العلمية