الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                صفحة جزء
                                                3513 ص: فإن قال قائل : إن الحج لم يدخل في السفر الذي نهي عنه في تلك الآثار .

                                                فالحجة على ذلك القائل حديث ابن عباس الذي بدأنا بذكره في هذا الباب إذ يقول : "خطب رسول الله - عليه السلام - فقال : لا تسافر امرأة إلا مع محرم . " . فقال له رجل : إني أردت أن أحج امرأتي ، وقد اكتتبت في غزوة كذا وكذا . فقال : احجج بامرأتك" .

                                                فدل ذلك على أنها لا ينبغي لها أن تحج إلا به ، ولولا ذلك لقال رسول الله - عليه السلام - : وما حاجتها إليك ، لأنها تخرج مع المسلمين وأنت فامض لوجهك فيما اكتتبت . " .

                                                ففي ترك النبي - عليه السلام - أن يأمره بذلك ، وأمره أن يحج معها ؛ دليل على أنها لا يصلح لها الحج إلا به .

                                                التالي السابق


                                                ش: هذا السؤال من جهة هؤلاء القوم الذي قالوا : لا بأس أن تسافر المرأة بغير محرم ، وتقريره أن يقال : إن الحج لم يدخل في النهي ؛ لأنه محمول على الأسفار غير الواجبة ، والحج فرض فلا يدخل في ذلك النهي .

                                                وقال القرطبي : قال أبو حنيفة وأصحابه : لا تحج المرأة إلا مع ذي رحم أو زوج وهو قول أحمد وإسحاق وأبي ثور ، وروي ذلك عن إبراهيم والحسن وفقهاء أصحاب الحديث ، وذلك أنهم حملوا النهي على العموم في كل سفر ، وحمله مالك و [من] معه كالأوزاعي والشافعي على الخصوص ، وأن المراد بالنهي عن الأسفار غير الواجبة ، وقالوا : تخرج المرأة في حجة الفرض مع جماعة النساء في رفقة مأمونة وإن لم يكن معها محرم ؛ لأن ابن عمر - رضي الله عنهما - كان يحج معه نسوة من جيرانه ، وهو قول عطاء وابن جبير وابن سيرين والحسن ، وقال الحسن: المسلم محرم .

                                                [ ص: 28 ] قوله : "فالحجة على ذلك القائل . . . " إلى آخره جواب عن السؤال المذكور ، وهو ظاهر .

                                                وحديث ابن عباس - رضي الله عنه - قد مر في أول الباب .

                                                وأخرجه ابن حزم في "المحلى" : ثنا أحمد بن محمد الطلمنكي ، نا ابن مفرح ، نا إبراهيم بن أحمد بن فراس ، نا محمد بن علي بن زيد الصائغ ، ثنا سعيد بن منصور ، ثنا حماد بن زيد ، عن عمرو بن دينار ، عن أبي معبد ، عن ابن عباس ، "أنه سمع رسول الله - عليه السلام - وهو يخطب . . . " الحديث كما مر ، غير أن في لفظه : "إني نذرت أن أخرج في جيش كذا وكذا" عوض قوله : "إني قد اكتتبت في غزوة كذا وكذا" .

                                                ثم قال : فلم يقل - عليه السلام - : لا تخرج إلى الحج إلا معك ، ولا نهاها عن الحج ، بل ألزم الزوج ترك نذره في الجهاد وألزمه الحج معها ، فالفرض في ذلك على الزوج لا عليها . انتهى .

                                                قلت : إنما قال ذلك استدلالا لما ذهب إليه من أن المرأة تحج من غير زوج ومحرم ، فإن كان لها زوج يفرض عليه أن يحج معها ، وليس كما فهمه ؛ بل الحديث في نفس الأمر حجة عليه ؛ لأنه لما قال له : "فاخرج معها" و [أمر] بالخروج معها ، فدل على عدم جواز سفرها إلا به أو بمحرم ، وإنما ألزمه بترك نذره لتعلق جواز سفرها به .

                                                فإن قيل : ظاهر الحديث يدل على أن الزوج أو المحرم إذا امتنع عن الخروج معها في الحج أنه يجبر على ذلك ، ومع هذا فأنتم تقولون : إذا امتنع الزوج أو المحرم عن الخروج لا يجبر عليه .

                                                قلت : فليكن ذلك ، فلا يضرنا هذا ، وإنما وجدنا إثبات شرطية الزوج أو المحرم مع المرأة إذا أرادت الحج على أن هذا الأمر ليس بأمر إلزام ، وإنما نبه بذلك على أن المرأة لا تسافر إلا بزوجها .




                                                الخدمات العلمية