الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                صفحة جزء
                                                3871 3872 3873 ص: حدثنا محمد بن خزيمة ، قال : ثنا عثمان بن الهيثم ، قال : ثنا ابن جريج ، قال : أخبرني عطاء ، أن ابن عباس كان يقول : "لا يطوف أحد بالبيت حاج ولا غيره إلا حل به ، قلت له : من أين كان ابن عباس يأخذ ذلك ؟ قال : من قبل قول الله تعالى : ثم محلها إلى البيت العتيق فقلت له : فإنما ذلك بعد المعرف ، ) . قال : كان ابن عباس يراه قبل المعرف وبعده ، قال : وكان ابن عباس يأخذها من أمر النبي - عليه السلام - أصحابه أن يحلوا في حجة الوداع ، قالها لي غير مرة" .

                                                حدثنا ربيع المؤذن ، قال : ثنا أسد ، قال : ثنا حماد بن سلمة ، عن أيوب ، عن ابن أبي مليكة ، أن عروة قال لابن عباس : " أضللت الناس يا ابن عباس . قال : وما ذاك يا عرية ؟ ؟ قال : تفتي الناس أنهم إذا طافوا بالبيت فقد حلوا ، وكان أبو بكر 5 وعمر - رضي الله عنهما - يجيئان ملبيين بالحج فلا يزالان محرمين إلى يوم النحر ؟ ! قال ابن عباس : : بهذا ضللتم ، أحدثكم عن رسول الله - عليه السلام - وتحدثوني عن أبي بكر 5 وعمر ، فقال عروة : : ( إن أبا بكر 5 وعمر كانا أعلم برسول الله منك" .

                                                حدثنا سليمان بن شعيب ، قال : ثنا عبد الرحمن بن زياد ، قال : ثنا شعبة ، قال : ثنا قتادة ، قال : سمعت أبا حسان الرقاشي : "أن رجلا قال لابن عباس ، يا ابن عباس : ، ما هذه الفتيا التي قد تقشعت عنك أن من طاف بالبيت فقد حل ؟ ! ؟ قال : سنة نبيك وإن رغمتم" . .

                                                [ ص: 413 ]

                                                التالي السابق


                                                [ ص: 413 ] ش: هذه ثلاث طرق صحاح :

                                                الأول : عن محمد بن خزيمة ، عن عثمان بن الهيثم العصري العبدي البصري مؤذن الجامع بالبصرة وشيخ البخاري ، عن عبد الملك بن جريج المكي عن عطاء بن أبي رباح ، عن ابن عباس .

                                                وأخرجه مسلم : نا إسحاق بن إبراهيم ، قال : أنا محمد بن بكر ، قال : أنا ابن جريج ، قال : أخبرني عطاء ، قال : كان ابن عباس يقول : "لا يطوف بالبيت حاج ولا غير حاج إلا حل ، قلت لعطاء : من أين يقول ذلك ؟ قال : من قول الله - عز وجل - ثم محلها إلى البيت العتيق قلت : فإن ذلك بعد المعرف ، فقال : كان ابن عباس يقول : هو بعد المعرف وقبله ؛ كان يأخذ ذلك من أمر النبي - عليه السلام - حين أمرهم أن يحلوا في حجة الوداع" .

                                                قوله : "إلا حل" أي صار حلالا .

                                                قوله : "بعد المعرف" يريد بعد الوقوف بعرفة ، وهو التعريف أيضا ، والمعرف في الأصل موضع التعريف ، ويكون بمعنى المفعول .

                                                قلت : هو بضم الميم وفتح العين والراء ، وهو موضع الوقوف بعرفة ، والتعريف الوقوف بها .

                                                قوله : "وكان ابن عباس يأخذها من أمر النبي - عليه السلام - " إلى آخره . أراد به نسخ الحج في العمرة ، وهذا لا يجوز عند جمهور العلماء من الصحابة وغيرهم .

                                                قال ابن عبد البر : ما أعلم من الصحابة من يجيز ذلك إلا ابن عباس ، وتابعه أحمد وداود وسائر الفقهاء ، وكلهم قالوا على أن فسخ الحج في العمرة خص به أصحاب النبي - عليه السلام - .

                                                [ ص: 414 ] الثاني : عن ربيع بن سليمان المؤذن ، عن أسد بن موسى ، عن حماد بن سلمة ، عن أيوب السختياني ، عن عبد الله بن عبيد الله بن أبي مليكة الأحول ، كان قاضيا لعبد الله بن الزبير ومؤذنا له .

                                                وأخرجه أسد السنة في "مسنده" عن حماد نحوه .

                                                الثالث : عن سليمان بن شعيب الكسائي ، عن عبد الرحمن بن زياد الرصافي الثقفي ، عن شعبة ، عن قتادة ، عن أبي حسان الأعرج ويقال : الأجرد واسمه مسلم بن عبد الله ، روى له الجماعة البخاري مستشهدا .

                                                وأخرجه مسلم : ثنا محمد بن المثنى وابن بشار ، قال ابن مثنى : نا محمد بن جعفر قال : ثنا شعبة ، عن قتادة قال : سمعت أبا حسان الأعرج قال : قال رجل من بني الهجيم لابن عباس : "ما هذي الفتيا التي قد تشغفت أو تشغبت بالناس ؛ أن من طاف بالبيت فقد حل ؟ ! فقال : سنة نبيكم - عليه السلام - وإن رغمتم" وفي لفظ له : "إن هذا الأمر قد تقشع الناس" .

                                                قوله : "قد تقشعت عنك" على وزن تفعلت بالقاف والشين المعجمة والعين المهملة ومعناه قد فشت وانتشرت عنك ، يقال له : تقشع له الولد إذا كثر وانتشر ، وقد يكون معناه : قد كسدت الناس عن المتعة ، قال الفراء : التقشع والقشاع الكسل ، وقد يكون معناه : أفسدت حال الناس بوقوع الخلاف بينهم ، من القشاع وهو نبات يلتوي على الثمار .

                                                ثم هذه اللفظة هكذا وقعت أيضا في مسند ابن أبي داود وفي شهاب بن أبي شيبة من رواية همام عن عبادة ، وكذا في لفظ لمسلم وهو .

                                                قوله : إن هذا الأمر قد تقشع الناس كما ذكرناه الآن ، وأما الذي وقع في روايته : "تشغفت" فهو بالشين والغين المعجمتين وبعدها الفاء ، وكذا وقع في رواية لابن أبي شيبة ، قال القاضي : هذه الرواية إن لم تكن وهما وظنا فمعناه : علقت بقلوب [ ص: 415 ] الناس وشغفوا بها ، وقد قال المفسرون في قوله : قد شغفها حبا أي علقها ، وأما اللفظة الثانية في رواية مسلم أيضا "أو تشعبت" فهي بالعين المهملة بعدها الباء الموحدة ، قال القاضي : وكذا رويناه عن الأسدي والتميمي من شيوخنا ، وعند غيرهما : أو تشغبت بالغين المعجمة ، وقد ذكر أبو عبيد هذا الحديث بهذا الحرف من غير شك ، وذكر الخلاف بهذين الوجهين في العين والغين عن رواية وأخبار : هو بالعين المهملة ، ومعنى هذا على رواية العين المهملة : فرقت الناس ، أو فرقت مذاهب الناس ، وبالمعجمة من التشغيب أي : خلطت عليهم أمرهم .

                                                قوله : "وإن رغمتم" أي وإن كرهتم هذا الأمر ، فإنه سنة نبيكم - عليه السلام - ، من رغم يرغم من باب علم يعلم ، ورغم يرغم من باب فتح يفتح رغما ورغما ورغما ، وأرغم الله أنفه أي ألصقه بالرغام وهو التراب ، هذا هو الأصل ، ثم استعمل في الذل والعجز عن الانتصاف والانقياد على كره .




                                                الخدمات العلمية