الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                صفحة جزء
                                                3862 3863 3864 ص: وكان مما احتج به أهل المقالة الأولى لقولهم في ذلك ما حدثنا أحمد بن داود ، قال : ثنا يعقوب بن حميد ، قال : ثنا بشر بن السري ، عن إبراهيم بن طهمان ، عن أبي الزبير ، عن عبد الله بن باباه ، قال : "طاف أبو الدرداء بعد العصر ، وصلى قبل مغارب الشمس ، فقلت : أنتم أصحاب محمد - عليه السلام - تقولون : لا صلاة بعد العصر حتى تغرب الشمس ، فقال : إن هذا البلد ليس كسائر البلدان" .

                                                فقالوا : فقد دل قول أبي الدرداء على أن الصلاة للطواف لم يدخل فيها نهي عن النبي - عليه السلام - من الصلاة في الأوقات التي ذكرتم .

                                                قيل لهم : فأنتم لا تقولون بهذا الحديث ؛ لأنا قد رأيناكم تكرهون الصلاة بمكة في الأوقات المنهي عن الصلاة فيها لغير الطواف ؛ لنهي النبي - عليه السلام - عن الصلاة في تلك الأوقات ، ولا تخرجون حكم مكة في ذلك من حكم سائر البلدان ، وأبو الدرداء فقد أخرج في الحديث الذي احتجتم به حكم مكة من حكم سائر البلدان في المنع من الصلاة في ذلك وأخبر أن النهي لم يدخل حكمها فيه ، وأنه إنما أريد به ما سواها ،

                                                مع أنه قد خالف أبا الدرداء في ذلك عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - .

                                                [ ص: 402 ] حدثنا يونس ، قال : ثنا سفيان ، عن الزهري ، عن عروة ، عن عبد الرحمن بن عبد القاري ، قال : " طاف عمر - رضي الله عنه - بالبيت بعد الصبح فلم يركع ، فلما صار بذي طوى وطلعت الشمس صلى ركعتين" .

                                                حدثنا يونس ، قال : ثنا ابن وهب ، أن مالكا حدثه ، عن ابن شهاب ، عن حميد بن عبد الرحمن ، عن عبد الرحمن بن عبد القاري ، مثله .

                                                فهذا عمر - رضي الله عنه - لم يركع حينئذ ؛ لأنه لم يكن عنده وقت صلاة ، وأخر ذلك إلى أن دخل عليه وقت الصلاة فصلى ، وهذا بحضرة أصحاب رسول الله - عليه السلام - فلم ينكره عليه منهم منكر ، ولو كان ذلك الوقت عنده وقت صلاة للطواف لصلى ولما أخر ذلك ؛ لأنه لا ينبغي لأحد طاف بالبيت أن لا يصلي حينئذ إلا من عذر .

                                                التالي السابق


                                                ش: أي وكان من الذي احتج به أهل المقالة الأولى فيما ذهبوا إليه حديث أبي الدرداء .

                                                وأخرجه عن أحمد بن داود المكي شيخ الطبراني أيضا ، عن يعقوب بن حميد شيخ ابن ماجه ، فيه مقال وقد تكرر ذكره ، عن بشر بن السري البصري أبي عمرو الأفوه نزيل مكة ، روى له الجماعة ، وفي "الميزان" : قال الحميدي : جهمي لا يحل أن يكتب عنه ، وهو يروي عن إبراهيم بن طهمان الخراساني أحد أصحاب أبي حنيفة ، روى له الجماعة ، عن أبي الزبير محمد بن مسلم بن تدرس المكي ، روى له الجماعة البخاري مقرونا بغيره ، عن عبد الله بن باباه المكي ، روى له الجماعة .

                                                وأخرجه البيهقي في "سننه" : من حديث إبراهيم بن طهمان ، عن أبي الزبير ، عن عبد الله بن باباه ، عن أبي الدرداء : "أنه طاف بعد العصر عند مغارب الشمس ، فصلى ركعتين قبل الغروب ، فقيل له : أنتم أصحاب رسول الله - عليه السلام - تقولون : لا صلاة بعد العصر حتى تغرب الشمس ، فقال : إن هذه البلدة ليست كغيرها" .

                                                قوله : "فقالوا" أي أهل المقالة الأولى" .

                                                [ ص: 403 ] قوله : "قيل لهم : . . . " إلى آخره أي قيل لأهل المقالة الأولى في الجواب عن هذا ، وهو على وجهين :

                                                الأول : أن يقال : أنتم لا تقولون بهذا الحديث لأنكم تكرهون الصلاة بمكة في الأوقات المذكورة إذا كانت لغير الطواف ؛ لثبوت النهي عن الصلاة في تلك الأوقات ، مع أنكم لا تخرجون حكم مكة في ذلك من حكم سائر البلاد ، والحال أن أبا الدرداء قد أخرج في حديثه حكم مكة من حكم سائر البلاد ، فإذن لا يتم استدلالكم بحديثه .

                                                والثاني : أنه قد خالف أبا الدرداء فيما ذهب إليه ، عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - حيث لم يصل شيئا بعد أن طاف بعد الصبح حتى طلعت الشمس ثم صلى بذي طوى .

                                                وأخرجه من طريقين صحيحين :

                                                أحدهما : عن يونس بن عبد الأعلى ، عن سفيان بن عيينة ، عن محمد بن مسلم ، عن الزهري ، عن عروة بن الزبير ، عن عبد الرحمن بن عبد القاري - بتشديد الياء نسبة إلى قارة بن [الديش ، و] هم بنو الهون بن خزيمة ، قيل : إن له صحبة .

                                                وأخرجه البخاري تعليقا ، والبيهقي في "سننه" : من حديث سفيان بن عيينة ، عن الزهري ، عن عروة ، عن عبد الرحمن بن عبد قال : "صلى عمر - رضي الله عنه - الصبح بمكة ، ثم طاف سبعا ، ثم خرج وهو يريد المدينة ، فلما كان بذي طوى [و] طلعت الشمس صلى ركعتين" .

                                                وقال أحمد بن حنبل : أخطأ سفيان ، وقد خالفوه فقالوا : الزهري عن حميد ، قال الأثرم : سمعت أبا عبد الله ذكر هذا الحديث فقال : ذاك يهم فيه سفيان ، يقول : عن [ ص: 404 ] عروة . قيل له : فهذا نوح بن يزيد رواه عن إبراهيم بن سعد ، عن صالح بن كيسان ، عن الزهري ، عن عروة أيضا ، فأنكره ، فرجعت إلى نوح فأخرجه لي من أصل كتابه ، فإذا هو عن عروة ، وإذا صالح أيضا يرويه عن عروة ، قال أبو عبد الله : نوح لم يكن به بأس كان متثبتا ، ولعل إبراهيم أن يكون حدث من حفظه ، وكان ربما حدث بالشيء من حفظه ، وكتاب صالح عندي وما أدري كيف قال فيه ؟ وقال أبو حاتم : حديث سفيان خطأ .

                                                والآخر : عن يونس أيضا ، عن عبد الله بن وهب ، عن مالك بن أنس ، عن حميد بن عبد الرحمن بن عوف ، عن عبد الرحمن بن عبد القاري قال : "طاف عمر . . . إلى آخره" .

                                                وأخرجه مالك في موطأه .

                                                قوله : "بذي طوى " ذكر ابن قرقول أنها بفتح الطاء المهملة وقيدها الأصيلي بخطه بكسرها ، ومنهم من يضمها ، قال أبو عبيد البكري : بفتح أوله مقصور منون على وزن فعلى : واد بمكة . وقال السهيلي : بأسفل مكة ، وفي "المحكم" : ذو طوى مقصور وادي بمكة شرفها الله تعالى ، وكان في كتاب أبي زيد الأنصاري : ممدودا ، والمعروف أن ذا طوى - بالقصر - وادي بمكة ، وذا طواء - ممدود - موضع بطريق الطائف ، وقيل : واد .

                                                وفي باب ضم الطاء وفتح الواء ذكره الحازمي .

                                                وقال القرطبي : ذو طوى بفتح الطاء والقصر ، وحكى بعض اللغويين ضم الطاء مع القصر .




                                                الخدمات العلمية