الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                صفحة جزء
                                                3844 ص: ففي هذا عن ابن عمر - رضي الله عنهما - أنه كان يرمل في الحجة إذا كان إحرامه بها من غير مكة ، . فهذا خلاف ما رواه عنه مجاهد ، عن النبي - عليه السلام - ، فلا يخلو ما رواه عن مجاهد من أحد وجهين :

                                                إما أن يكون منسوخا ، فما نسخه فهو أولى منه .

                                                أو يكون غير صحيح عنه ، فهو أحرى أن لا يعمل به ، وأن يجب العمل بخلافه ، ولما ثبت [ما ذكرنا] من الرمل عن رسول الله - عليه السلام - بعد عدم المشركين ، وعن أصحابه من بعده في الأشواط الأول [الثلاثة] ؛ ثبت أن ذلك من سنة الطواف عند القدوم ، وأنه لا ينبغي لأحد من الرجال تركه إذا كان قادرا عليه ، وهذا قول أبي حنيفة ، وأبي يوسف ، ومحمد ، - رحمهم الله - .

                                                [ ص: 380 ]

                                                التالي السابق


                                                [ ص: 380 ] ش: أي ففي هذا الأثر عن عبد الله بن عمر أنه كان يرمل في حجته إذا كان إحرامه بها - أي بالحجة - من غير مكة ، فهذا خلاف ما روى عنه مجاهد ، عن النبي - عليه السلام - : "أنه رمل في العمرة ومشى في الحج" وقد تقدم ذكره ، فإذا كان الأمر كذلك فلا يخلو ما رواه عنه من أحد وجهين :

                                                إما أن يكون منسوخا ، فحينئذ العمل بالناسخ أولى وأجدر .

                                                وإما أن يكون غير صحيح ، فحينئذ العمل بالصحيح أولى ، والظاهر أنه غير صحيح .

                                                وقال أبو عمر : وأما رواية مجاهد عن ابن عمر فحديث لا يثبت ؛ لأنه رواه الحفاظ موقوفا عن ابن عمر ، ولو كان مرفوعا عارضه ما هو أثبت منه ، ثم روي عن الطحاوي من حديث ابن عمر : "أن رسول الله - عليه السلام - رمل ثلاثا ومشى أربعة حين قدم في الحج والعمرة" .

                                                قوله : "وإنه" أي الرمل لا ينبغي لأحد من الرجال تركه ، لأنه سنة من سنن الحج الماضية ، حتى قال الحسن البصري : إذا ترك الرمل يهريق دما ، وعن النخعي أنه يفدي ، وقال أبو عمر : اختلف قول مالك وأصحابه فيمن ترك الرمل في الطواف ، والهرولة في السعي ، فقال مالك مرة : يعيد ، ومرة قال : لا يعيد . وبه قال ابن القاسم .

                                                واختلف قول مالك : هل عليه دم إذا لم يعد أم لا شيء عليه ؟ فمرة قال : لا شيء عليه ، رواه عنه ابن وهب في موطأه ، وهو قول ابن القاسم ، ومرة قال : عليه دم ، ورواه معن بن عيسى عن مالك ، وهو قول عبد الملك بن الماجشون والحسن البصري وسفيان الثوري ، وذكر ابن حبيب ومطرف عن ابن القاسم : أن عليه في قليل ذلك وكثيره دما ، وقد جاء عن ابن عباس نصا فيمن ترك الرمل أنه لا شيء [ ص: 381 ] عليه ، وهو قول عطاء وابن جريج والشافعي والأوزاعي وأبي حنيفة وأصحابه ، وأحمد وإسحاق وأبي ثور ، وهو أولى ما قيل في هذا الباب .

                                                وإنما قيد الطحاوي بقوله : "من الرجال" لأنهم أجمعوا على أن ليس على النساء رمل في طوافهن بالبيت ولا هرولة في سعيهن بين الصفا والمروة .

                                                وروى الشافعي ، عن سعيد ، عن ابن جريج ، عن عبيد الله بن عمر ، عن نافع ، عن ابن عمر أنه قال : "ليس على النساء سعي بالبيت ولا بين الصفا والمروة" ورواه أيضا عن عائشة وعطاء .

                                                . . .




                                                الخدمات العلمية