3725 ص: فقد فقالوا : ما روينا وتنازعوا في ذلك على ما قد ذكرنا وقد أحاط علمنا أنه لم يكن إلا على أحد [ ص: 240 ] تلك المنازل الثلاثة إما متمتع وإما مفرد وإما قارن ، فأولى بنا أن ننظر إلى معاني هذه الآثار ونكشفها لنعلم من أين جاء اختلافهم فيها ونقف من ذلك على إحرامه - صلى الله عليه وسلم - ما كان ؟ فاعتبرنا ذلك فوجدنا الذين يقولون : إنه أفرد يقولون : كان إحرامه بالحج مفردا لم يكن من قبل ذلك إحرام بغيره ، وقال آخرون : بل قد كان قبل إحرامه بتلك الحجة أحرم بعمرة ثم أضاف إليها هذه الحجة ، هكذا يقول الذين قالوا : قرن ، . وقد أخبر اختلفوا عن النبي - عليه السلام - في إحرامه في حجة الوداع ما كان ؟ جابر - رضي الله عنه - في حديثه وهو أحد الذين قالوا : إن النبي - عليه السلام - أن رسول الله - عليه السلام - أحرم بالحجة حين استوت به ناقته على البيداء . وقال ابن عمر : - رضي الله عنهما - : من عند المسجد وهو أيضا ممن قال : إن رسول الله - عليه السلام - أفرد الحج في أول إحرامه ، وكان بدء إحرامه - عليه السلام - عند ابن عمر ، وجابر بعد خروجه من المسجد ، وقد ثبتنا عنه فيما تقدم من كتابنا هذا أنه قد كان أحرم في دبر الصلاة في المسجد فيحتمل أن يكون الذين قالوا : قرن سمعوا تلبيته في المسجد بالعمرة ثم سمعوا بعد ذلك تلبيته الأخرى خارجا من المسجد بالحج خاصة فعلموا أنه قرن وسمعه الذين قالوا : إنه أفرد وقد لبى بالحج خاصة ولم يكونوا سمعوا تلبيته قبل ذلك بالعمرة فقالوا : أفرد وسمعه قوم أيضا ، وقد لبى في المسجد بالعمرة ولم يسمعوا تلبيته بعد خروجه منه بالحج ، ثم رأوه بعد ذلك يفعل ما يفعل الحاج في الوقوف بعرفة وما أشبه ذلك وكان ذلك عندهم بعد خروجه من العمرة فقالوا : تمتع ، فروى كل قوم ما علموا وقد دخل جميع ما علمه الذين قالوا أفرد وما علمه الذين قالوا : إنه تمتع فيما علم الذين قالوا : إنه قرن ؛ لأنهم أخبروا عن تلبيته بالعمرة ثم بالحجة بعقب ذلك وصار ما ذهبوا إليه من ذلك وما رووا أولى مما ذهب إليه من خالفهم وما رووا ثم قد وجدنا بعد ذلك أفعال رسول الله - عليه السلام - تدل على أنه قد كان قارنا وذلك أنه - عليه السلام - لا يختلف عنه أنه لما قدم مكة أمر أصحابه أن يحلوا إلا من كان ساق منهم هديا ، وثبت هو على إحرامه فلم يحل منه إلا في وقت ما يحل الحاج من حجه وقال : هكذا حكاه عنه "لو استقبلت من أمري ما استدبرت ما سقت الهدي ولجعلتها عمرة ، فمن كان ليس معه هدي فليحل وليجعلها عمرة" جابر بن عبد الله - رضي الله ، عنه - وهو ممن يقول : [ ص: 241 ] إنه أفرد ، وسنذكر ذلك وما روي فيه في باب فسخ الحج - إن شاء الله تعالى - فلو كان إحرامه ذلك كان بحجة لكان هديه الذي ساق تطوعا فالهدي التطوع لا يمنع من الإحلال الذي يحله الرجل إذا لم يكن معه هدي ولكان حكمه - عليه السلام - وإن كان قد ساق هديا - كحكم من لم يسق هديا ؛ لأنه لم يخرج على أن يتمتع فيكون ذلك الهدي للمتعة فيمنعه من الإحلال الذي كان يحله لو لم يسق هديا ، ألا ترى أن رجلا لو خرج يريد التمتع فأحرم بعمرة أنه إذا طاف وسعى وحلق حل منها ولو كان ساق هديا لمتعته لم يحل حتى يوم النحر ولو كان ساق هديا تطوعا حل قبل يوم النحر بعد فراغه من العمرة فثبت بذلك أن هدي النبي - عليه السلام - لما كان قد منعه من الإحلال وأوجب ثبوته على الإحرام إلى يوم النحر أن حكمه غير حكم هدي التطوع ، فانتفى بذلك قول من قال : إنه كان مفردا وقد ذكرنا فيما تقدم من هذا الباب عن ، - رضي الله عنها - حفصة فدل ذلك على ما ذكرنا ، وعلى أن ذلك الهدي كان هديا بسبب عمرة يراد بها قران أو متعة فنظرنا في ذلك فإذا أنها قالت لرسول الله - عليه السلام - : ما شأن الناس ، حلوا ولم تحل أنت من عمرتك ؟ فقال : إني قد قلدت هديي ولبدت رأسي ، فلا أحل حتى أنحر قد دل حديثها هذا على أن ذلك القول من رسول الله - عليه السلام - كان بمكة لأنه كان منه بعد ما حل الناس وقد يجوز أن يكون النبي - عليه السلام - قد طاف قبل ذلك أو لم يطف فإن كان قد طاف قبل ذلك ثم أحرم بالحجة من بعد فإنما كان متمتعا ولم يكن قارنا ؛ لأنه إنما أحرم بالحجة بعد فراغه من طواف العمرة وإن لم يكن طاف قبل ذلك حتى أحرم بالحجة فقد كان قارنا ؛ لأنه إنما أحرم بالحجة بعد فراغه من طواف العمرة وإن لم يكن طاف قبل ذلك حتى أحرم بالحجة فقد كان قارنا ؛ لأنه قد لزمته الحجة قبل طوافه للعمرة ، فلما احتمل ذلك ما ذكرنا كان أولى الأشياء بنا أن نحمل هذه الآثار على ما فيه اتفاقها لا على ما فيه تضادها ، وكان حفصة علي بن أبي طالب 5 وابن عباس 5 وعمران بن حصين ، - رضي الله عنهم - قد روينا عنهم أن رسول الله - عليه السلام - تمتع ، وروينا عنهم أنه قرن وقد ثبت من قوله ما يدل على أنه قدم وعائشة مكة ، ولم يكن أحرم بالحج قبل ذلك ، فإن جعلنا إحرامه بالحجة قبل الطواف للعمرة ثبت [ ص: 242 ] الحديثان جميعا ، فكان رسول الله - عليه السلام - قد كان متمتعا إلى أن أحرم بالحجة فصار قارنا ، وإن جعلنا إحرامه بالحجة كان بعد طوافه للعمرة جعلناه متمتعا ونفينا أن يكون قارنا فجعلناه متمتعا في حال ، قارنا في حال فثبت بذلك أن طوافه للعمرة كان بعد إحرامه بالحجة وثبت بذلك أن رسول الله - عليه السلام - كان في حجة الوداع قارنا .