الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                صفحة جزء
                                                3909 ص: فهذا وجه هذا الباب من طريق تصحيح معاني الآثار .

                                                وأما وجه ذلك من طريق النظر فإنا قد وجدنا الأصل أن من أحرم بعمرة وطاف لها وسعى أنه قد فرغ منها ، وله أن يحلق ويحل ، هذا إذا لم يكن ساق هديا ، ورأيناه [ ص: 452 ] إذا كان قد ساق هديا لمتعة ، وطاف لعمرة وسعى لم يحل من عمرته حتى يوم النحر ، فيحل منها ومن حجته إحلالا واحدا ، وبذلك جاءت السنة عن رسول الله - عليه السلام - جوابا لحفصة - رضي الله عنها - لما قالت له : "ما بال الناس حلوا ولم تحل أنت من عمرتك ؟ قال : إني لبدت رأسي وقلدت بدني ، فلا أحل حتى أنحر" .

                                                فكان الهدي الذي ساق لمتعته التي لا يكون عليه فيها هدي إلا بأن يحج [بعدها] يمنعه من أن يحل بالطواف حتى يوم النحر ؛ لأن عقد إحرامه هكذا كان : أن يدخل في عمرة فيتمها فلا يحل منها حتى يحرم بحجة ، ثم يحل منها ومن العمرة التي قدمها قبلها معا ، وكانت العمرة لو أحرم بها منفردة حل منها بفراغه منها إذا حلق ولم ينتظر به يوم النحر ، وكان إذا ساق الهدي لحجة يحرم بها بعد فراغه من تلك العمرة بقي على إحرامه إلى يوم النحر ، فلما كان الهدي الذي هو من سبب الحج ، يمنعه الإحلال بالطواف بالبيت قبل يوم النحر ، كان دخوله في الحج أحرى أن يمنعه من ذلك إلى يوم النحر ، فهذا هو النظر أيضا عندنا ، وهو قول أبي حنيفة ، وأبي يوسف ، ومحمد ، - رحمهم الله .

                                                التالي السابق


                                                ش: أي فهذا الذي ذكرناه وجه هذا الباب من طريق التوفيق بين الآراء وتصحيح معانيها .

                                                وأما وجهه من طريق النظر والقياس فإنا قد وجدنا . . . إلى آخره . تلخيصه :

                                                أن المعتمر يحل بمجرد الطواف والسعي ما لم يكن سائق هدي ، فإن كان سائق هدي لأجل التمتع لا يحل إلا يوم النحر ، فيحل منها ومن حجته التي تمتع بها إلى العمرة بإحلال واحد ، فإذا كان سوق الهدي لأجل تمتعه بالحج إلى العمرة يمنعه من الإحلال بالطواف بالبيت قبل يوم النحر ، كان دخوله في الحج من الابتداء أحرى أن يمنعه من الإحلال بالطواف بالبيت قبل يوم النحر .

                                                [ ص: 453 ] قوله : "وبذلك جاءت السنة" أي بما ذكرنا من أن الذي يتمتع بحجته إلى عمرته لأجل سوقه الهدي لا يحل إلا يوم النحر إحلالا واحدا جاءت السنة عن النبي - عليه السلام - ، وذلك في حديث حفصة بنت عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - حيث قال : "يا رسول الله ، ما شأن الناس حلوا بعمرة ولم تحلل أنت من عمرتك ؟ ! قال : إني لبدت رأسي وقلدت هديي ، ولا أحل حتى أنحر" .

                                                رواه البخاري : عن عبد الله بن يوسف ، عن مالك ، عن نافع ، عن ابن عمر ، عن حفصة .

                                                ورواه مسلم أيضا : عن يحيى بن يحيى ، عن مالك .

                                                وأخرجه الطحاوي في باب ما كان النبي - عليه السلام - محرما في حجة الوداع ، عن موسى بن عبد الأعلى ، عن عبد الله بن وهب ، عن مالك .

                                                وقد مر الكلام فيه مستقصى .




                                                الخدمات العلمية