الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                              معلومات الكتاب

                                                                                                                                                                                                                              سبل الهدى والرشاد في سيرة خير العباد

                                                                                                                                                                                                                              الصالحي - محمد بن يوسف الصالحي الشامي

                                                                                                                                                                                                                              صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                              الثاني عشر : اختلف في النازل بالسهم ، فعند ابن إسحاق عن رجال من أسلم : أنه ناجية بن جندب . قال ابن إسحاق : وزعم بعض أهل العلم أنه البراء بن عازب .

                                                                                                                                                                                                                              وروى محمد بن عمر عن خالد بن عبادة الغفاري قال : أنا الذي نزلت بالسهم ، ويمكن الجمع بأنهم تعاونوا على ذلك .

                                                                                                                                                                                                                              الثالث عشر : في حديث جابر - رضي الله عنه - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان بين يديه بالحديبية ركوة فتوضأ فيها ثم أقبل الناس نحوه فقال «ما لكم ؟ فقالوا : يا رسول الله : ليس عندنا ما نتوضأ ولا نشرب إلا ما في ركوتك . قال : فوضع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يده في الركوة ، فجعل الماء يفور من بين أصابعه كأمثال العيون ، قال : فشربنا وتوضأنا .

                                                                                                                                                                                                                              وجمع ابن حبان بين حديث جابر هذا وبين ما تقدم بأن ذلك وقع مرتين في وقتين ، وقال ما تقدم في حديث البراء والمسور ومروان غير ما في حديث جابر ، وكان حديثه قبل قصة البئر ، وقال في موضع آخر في حديث جابر في الأشربة من كتاب البخاري أن نبع الماء كان حين حضرت صلاة العصر عند إرادة الوضوء ، وحديث البراء كان لإرادة ما هو أعم من ذلك ، ويحتمل أن الماء انفجر من أصابعه ويده في الركوة وتوضأ كلهم وشربوا ، وأمر حينئذ بصب الماء الذي في الركوة في البئر فتكاثر الماء فيها .

                                                                                                                                                                                                                              الرابع عشر : اقتصر بديل بن ورقاء على قوله : تركت كعب بن لؤي ، وعامر بن لؤي ، لكون قريش الذين كانوا بمكة أجمع ترجع أنسابهم إليهما ، وبقي من قريش بنو سامة بن لؤي ، ولم يكن بمكة منهم أحد ، وكذلك قريش الظواهر ، وتقدم بيانهم في من اسمه القريشي .

                                                                                                                                                                                                                              قال هشام بن الكلبي : بنو عامر بن لؤي وكعب بن لؤي هما الصريحان لا شك فيهما ، بخلاف سامة وعوف ، أي ففيهما خلاف ، قال : وهم قريش البطاح ، بخلاف قريش الظواهر وفي موالاة رسول الله - صلى الله عليه وسلم .

                                                                                                                                                                                                                              الخامس عشر :

                                                                                                                                                                                                                              قوله - صلى الله عليه وسلم - «إن أظهر فإن شاءوا»

                                                                                                                                                                                                                              إلخ إنما ردد - صلى الله عليه وسلم - الأمر مع أنه جازم بأن الله سينصره ويظهره ، لوعده - تعالى - له بذلك على طريق التنزل مع الخصم وفرض الأمر على ما زعم الخصم ، ولهذه النكتة حذف القسم الأول وهو التصريح بظهور غيره ،

                                                                                                                                                                                                                              وقوله [ ص: 74 ]

                                                                                                                                                                                                                              - صلى الله عليه وسلم - بعد ذلك «ولينفذن الله أمره»

                                                                                                                                                                                                                              - بضم أوله وكسر الفاء ، أي ليمضين الله - تعالى - أمره في نصر دينه ، وحسن الإتيان بهذا الجزم بعد ذلك الترديد للتنبيه على أنه لم يورده إلا على سبيل الفرض ، ووقع التصريح بذكر القسم الأول في رواية ابن إسحاق كما في القصة ، فالظاهر أن الحذف وقع من بعض الرواة .

                                                                                                                                                                                                                              السادس عشر : قول عروة لقريش ألستم بالوالد وألست بالولد هو الصواب ، ووقع لبعض رواة الصحيح عكس ذلك ، وزعم أن كل واحد منكم كالولد ، وقيل : معناه أنتم حي قد ولدني ، لكون أمي منكم ، وهذا هو الصحيح ، لأنه كان لسبيعة بنت عبد شمس .

                                                                                                                                                                                                                              السابع عشر : في قيام المغيرة على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بالسيف ، جواز القيام على رأس الأمين له بقصد الحراسة ، ونحوها من ترهيب العدو ولا يعارضه النهي عن القيام على رأس الجالس ، لأن محله إذا كان على وجه العظمة والكبر .

                                                                                                                                                                                                                              الثامن عشر : كانت عادة العرب أن يتناول الرجل لحية من يكلمه ولا سيما عند الملاطفة ، وفي الغالب إنما يفعل ذلك النظير ، بالنظير لكن كان الرسول - صلى الله عليه وسلم - يغضي لعروة عن ذلك استمالة له وتأليفا له ، والمغيرة يمنعه إجلالا لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - وتعظيما .

                                                                                                                                                                                                                              التاسع عشر : في تعظيم الصحابة رضوان الله عليهم - رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ما ذكره يعد إشارة منهم إلى الرد على ما خشيه عروة من فرارهم ، وكأنهم قالوا بلسان حالهم : من يحب إمامه هذه المحبة ويعظمه هذا التعظيم كيف يظن به أنه يفر عنه ويسلمه لعدوه بل هم أشد اغتباطا به وبدينه ونصره من القبائل التي يراعي بعضها بعضا بمجرد الرحم .

                                                                                                                                                                                                                              العشرون : استشكل قوله - صلى الله عليه وسلم - في مكرز هذا رجل فاجر أو غادر مع أنه لم يقع منه في قصة الحديبية فجور ظاهر ، بل فيها ما يشعر بخلاف ذلك كما سبق في القصة ، وفي إجازته أبا جندل لأجل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لما امتنع سهيل بن عمرو - رضي الله عنه - قبل إسلامه ، وأجيب : قال محمد بن عمر في مغازيه في غزوة «بدر» أن عتبة بن ربيعة قال لقريش :

                                                                                                                                                                                                                              كيف نخرج من مكة وبنو كنانة خلفنا لا نأمنهم على ذرارينا ؟ قال : وذلك أن حفص بن الأخيف - بخاء معجمة فتحتية وبالفاء - والد مكرز كان له ولد وضيء فقتله رجل من بني بكر ابن عبد مناة بدم لهم ، كان في قريش ، فتكلمت قريش في ذلك ، ثم اصطلحوا ، فعدا مكرز بن حفص بعد ذلك على عامر بن يزيد ، سيد بني بكر غرة فقتله ، فنفرت من ذلك كنانة ، فجاءت وقعة بدر في أثناء ذلك ، وكان مكرز معروفا بالغدر وتقدم في القصة أنه أراد أن يبيت للمسلمين بالحديبية ، فكأنه - صلى الله عليه وسلم - أشار إلى هذا .

                                                                                                                                                                                                                              الحادي والعشرون : في صحيح مسلم عن سلمة بن الأكوع - رضي الله عنه : أنه أول من بايع . [ ص: 75 ]

                                                                                                                                                                                                                              وروى الطبراني وغيره كما في القصة عن الشعبي [ورواه] ابن منده عن زر بن حبيش - رحمهما الله - أن أول من بايع أبو سنان الأسدي ، والجمع [ممكن] بينهما .

                                                                                                                                                                                                                              الثاني والعشرون : في حديث سلمة بن الأكوع - رضي الله عنه - أنهم بايعوا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - على الموت ، وفي حديث جابر وغيره : على أنهم لا يفرون ، وقال الحافظ :

                                                                                                                                                                                                                              لا تنافي بينهما ، لأن المراد بالمبايعة على الموت ألا يفروا ولو ماتوا ، وليس المراد أن يقع الموت ولا بد ، وهو الذي أنكره نافع وعدل إلى قولهم ، بل بايعهم على النصر ، أي على الثبات ، وعدم الفرار ، سواء أفضى ذلك إلى الموت أم لا . وقال في موضع آخر : من أطلق أن بيعته كانت على الموت أراد لازمها لأنه إذا بايع على ألا يفروا لزم من ذلك أن يثبت ، والذي يثبت إما أن يغلب وإما أن يؤسر ، والذي يؤسر إما أن ينجو وإما أن يموت ، ولما كان الموت لا يؤمن في مثل ذلك أطلقه الراوي ، وحاصله أن أحدهما حكى صورة البيعة والآخر حكى ما تؤول إليه .

                                                                                                                                                                                                                              الثالث والعشرون : من الصحابة رضي الله عنهم من بايع مرتين ، وهو عبد الله بن عمر ، وقد اختلف في سبب مبايعته قبل أبيه رضي الله عنهما ، كما تقدم في القصة عن نافع عنه .

                                                                                                                                                                                                                              وجمع بأنه بعثه يحضر الفرس ورأى الناس مجتمعين فقال أنظر ما شأنهم فغدا يكشف حالهم فوجدهم يبايعون فبايع وتوجه إلى الفرس فأحضرها ، وأعاد حينئذ الجواب على أبيه فخرج وخرج معه فبايع عمر وبايع ابن عمر مرة أخرى .

                                                                                                                                                                                                                              الرابع والعشرون : من الصحابة رضي الله عنهم من بايع ثلاث مرات ، وهو سلمة ابن الأكوع رضي الله عنه - طلب ذلك منه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - مع علمه بأنه بايع قبل .

                                                                                                                                                                                                                              قال المهلب : أراد صلى الله عليه وسلم أن يؤكد بيعته لسلمة لعلمه بشجاعته وغنائه في الإسلام وشهرته بالثبات ، فلذلك أمره بتكرير المبايعة ليكون له في ذلك فضيلة .

                                                                                                                                                                                                                              قال الحافظ : ويحتمل أن يكون سلمة لما بدر إلى المبايعة ثم قعد قريبا ، واستمر الناس يبايعون إلى أن خفوا ، أراد صلى الله عليه وسلم منه أن يبايع لتتوالى المبايعة معه ولا يقع فيها تخلل ، لأن العادة في مبدأ كل أمر أن يكثر من يباشره فيتوالى ، فإذا تناهى قد يقع بين من سيجيء آخرا تخلل ولا يلزم من ذلك اختصاص سلمة بما ذكره ، والواقع أن الذي أشار إليه المهلب من حال سلمة في الشجاعة وغيرها لم يكن ظهر بعد» لأنه إنما وقع منه بعد ذلك في غزوة ذي قرد كما سيأتي ، حيث استعاد الصرح الذي كان المشركون أغاروا عليه ، فاستلب ثيابهم ، وكان آخر أمره أن أسهم له رسول الله - صلى الله عليه وسلم - سهم الفارس والراجل . [ ص: 76 ]

                                                                                                                                                                                                                              فالأولى أن يقال تفرس فيه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ذلك فبايعه مرتين ، وأشار إلى أنه سيقوم في الحرب مقام رجلين فكان كذلك .

                                                                                                                                                                                                                              قلت : ولم يستحضر الحافظ ما وقع عند مسلم : أنه - صلى الله عليه وسلم - بايعه ثلاث مرات ، ولو استحضره لوجهه .

                                                                                                                                                                                                                              التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                              الخدمات العلمية