الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                              صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                              ذكر قصة الشاة المسمومة وما وقع في ذلك من الآيات

                                                                                                                                                                                                                              روى الشيخان عن أنس ، والإمام أحمد ، وابن سعد ، وأبو نعيم عن ابن عباس ، والدارمي ، والبيهقي عن جابر ، والبيهقي بسند صحيح - عن عبد الرحمن بن كعب بن مالك ، والطبراني [ ص: 134 ] عنه عن أبيه ، والبزار والحاكم ، وأبو نعيم عن أبي سعيد ، والبيهقي عن أبي هريرة - رضي الله عنهم - والبيهقي عن ابن شهاب - رحمه الله تعالى - : أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لما افتتح خيبر ، وقتل من قتل ، واطمأن الناس ، أهدت زينب ابنة الحارث امرأة سلام بن مشكم ، وهي ابنة أخي مرحب - لصفية امرأته شاة مصلية ، وقد سألت : أي عضو الشاة أحب إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ؟

                                                                                                                                                                                                                              فقيل لها الذراع ، فأكثرت فيها من السم ، ثم سمت سائر الشاة ، فدخل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - على صفية ومعه بشر بن البراء بن معرور - بمهملات - فقدمت إليه الشاة المصلية ، فتناول رسول الله - صلى الله عليه وسلم - الكتف ، وفي لفظ : الذراع ، وانتهس منها فلاكها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وتناول بشر ابن البراء عظما ، فانتهس منه .

                                                                                                                                                                                                                              قال ابن إسحاق ، فأما بشر فأساغها ، وأما رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فلفظها ، وقال ابن شهاب :

                                                                                                                                                                                                                              فلما استرط رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لقمته استرط بشر بن البراء ما في فيه

                                                                                                                                                                                                                              فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ارفعوا ما في أيديكم ، فإن كتف هذه الشاة تخبرني أني نعيت فيها .


                                                                                                                                                                                                                              قال ابن شهاب : فقال بشر بن البراء : والذي أكرمك لقد وجدت ذلك في أكلتي التي أكلت فما منعني أن ألفظها إلا أني أعظمت أن أنغصك طعامك ، فلما سغت ما في فيك لم أكن لأرغب بنفسي عن نفسك ورجوت ألا تكون استرطتها ، وفيها نعي . فلم يقم بشر من مكانه حتى عاد لونه كالطيلسان ، وماطله وجعه حتى كان لا يتحول إلا أن حول . قال الزهري قال جابر : واحتجم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - على كاهله يومئذ ، حجمه أبو هند مولى بني بياضة بالقرن والشفرة ، وبقي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بعد ثلاث سنين حتى كان وجعه الذي توفي فيه .

                                                                                                                                                                                                                              فقال : «ما زلت أجد من الأكلة التي أكلت من الشاة يوم خيبر عوادا حتى كان هذا وانقطع أبهري»


                                                                                                                                                                                                                              فتوفي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - شهيدا بلفظ ابن شهاب .

                                                                                                                                                                                                                              وذكر محمد بن عمر : أنه ألقى من لحم تلك الشاة لكلب فما تبعت يده رجله حتى مات .

                                                                                                                                                                                                                              وقال الصحابة السابق ذكرهم - رضي الله عنهم - إن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أرسل إلى اليهودية ، فقال : «أسممت هذه الشاة ؟ » فقالت : من أخبرك ؟ قال : «أخبرتني هذه التي في يدي وهي الذراع ، قالت : نعم ، قال : «ما حملك على ما صنعت ؟ » قالت : بلغت من قومي ما لم [ ص: 135 ] يخف عليك . فقلت : إن كان ملكا استرحنا منه ، وإن كان نبيا فسيخبر ، فتجاوز - وفي لفظ - فعفا عنها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ومات بشر من أكلته التي أكل ولم يعاقبها .

                                                                                                                                                                                                                              وذكر محمد بن عمر : أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال لها : «ما حملك على هذا ؟ » قالت :

                                                                                                                                                                                                                              قتلت أبي وعمي وزوجي وأخي -
                                                                                                                                                                                                                              فأبوها الحارث وعمها يسار وأخوها رحب وزوجها سلام بن مشكم .

                                                                                                                                                                                                                              وعن أبي سلمة عن جابر - رضي الله عنه - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لما مات بشر بن البراء أمر باليهودية فقتلت . رواه أبو داود ، ووقع عند البزار من حديث أبي سعيد الخدري : أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بعد سؤاله للمرأة اليهودية واعترافها - بسط يده إلى الشاة

                                                                                                                                                                                                                              وقال لأصحابه :

                                                                                                                                                                                                                              «كلوا باسم الله» قال : فأكلنا وذكرنا اسم الله ، فلم يضر أحدا منا .


                                                                                                                                                                                                                              قال الحافظ عماد الدين بن كثير : وفيه نكارة وغرابة شديدة . قلت : وذكر محمد بن عمر : أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أمر بلحم الشاة فأحرق .

                                                                                                                                                                                                                              التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                              الخدمات العلمية