الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                              صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                              ذكر انتقاله - صلى الله عليه وسلم - إلى حصون الكتيبة وبعثه السرايا لوجع رأسه وما وقع في ذلك من الآيات

                                                                                                                                                                                                                              لما فتح رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حصون النطاة ، والشق انهزم من سلم منهم إلى حصون الكتيبة ، وأعظم حصونها القموص ، وكان حصنا منيعا .

                                                                                                                                                                                                                              ذكر موسى بن عقبة : أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حاصره قريبا من عشرين ليلة ، وكانت أرضا وخمة .

                                                                                                                                                                                                                              وروى الشيخان عن سهل بن سعد ، والبخاري وابن أبي أسامة ، وأبو نعيم عن سلمة بن الأكوع ، وأبو نعيم ، والبيهقي عن عبد الله بن بريدة عن أبيه . وأبو نعيم عن ابن عمر ، وسعد بن أبي وقاص ، وأبو سعيد الخدري ، وعمران بن حصين ، وجابر بن عبد الله ، وأبو ليلى ، ومسلم ، والبيهقي عن أبي هريرة ، والإمام أحمد وأبو يعلى والبيهقي عن علي - رضي الله عنهم - قال بريدة - رضي الله عنه - : كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - تأخذه الشقيقة فيمكث اليوم واليومين لا يخرج ، فلما نزل خيبر أخذته الشقيقة فلم يخرج إلى الناس ، فأرسل أبا بكر - رضي الله عنه - فأخذ راية رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، ثم نهض فقاتل قتالا شديدا ، ثم رجع ، ولم يكن فتح . وقد جهد ، ثم أرسل عمر - رضي الله عنه - فأخذ راية رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقاتل قتالا شديدا هو أشد من القتال الأول ، ثم رجع ، ولم يكن فتح . وفي حديث عن علي عند البيهقي : إن الغلبة كانت لليهود في اليومين . انتهى .

                                                                                                                                                                                                                              فأخبر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بذلك فقال : «لأعطين الراية غدا رجلا يفتح الله عليه ، ليس بفرار ، يحب الله ورسوله ، يأخذها عنوة» وفي لفظ «يفتح الله على يديه»

                                                                                                                                                                                                                              قال بريدة : فبتنا طيبة أنفسنا أن يفتح غدا ، وبات الناس يدوكون ليلتهم أيهم يعطاها ، فلما أصبح الناس غدوا على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كلهم يرجو أن يعطاها ، قال أبو هريرة قال عمر : فما أحببت الإمارة قط حتى كان يومئذ .

                                                                                                                                                                                                                              قال بريدة : فما منا رجل له من رسول الله - صلى الله عليه وسلم - منزلة إلا وهو يرجو أن يكون ذلك الرجل ، حتى تطاولت أنالها ، ورفعت رأسي لمنزلة كانت لي منه ، وليس منة .


                                                                                                                                                                                                                              وفي حديث سلمة ، وجابر : وكان علي تخلف عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لرمد شديد كان به لا يبصر ، فلما سار رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال : لا ، أنا أتخلف عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم -!! فخرج [ ص: 125 ] فلحق برسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال بريدة : وجاء علي - رضي الله عنه - حتى أناخ قريبا ، وهو رمد ، قد عصب عينيه بشق برد قطري ، قال بريدة : فما أصبح رسول الله - صلى الله عليه وسلم - صلى الغداة ، ثم دعا باللواء ، وقام قائما . قال ابن شهاب : فوعظ الناس ، ثم قال : «أين علي» ؟ قالوا : يشتكي عينيه ، قال : «فأرسلوا إليه» قال سلمة : فجئت به أقوده ، قالوا كلهم : فأتى به رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال له رسول الله - صلى الله عليه وسلم - «ما لك ؟ » قال : رمدت حتى لا أبصر ما قدامي . قال : «ادن مني» وفي حديث علي عند الحاكم : فوضع رأسي عند حجره ، ثم بزق في ألية يده فدلك بها عيني ، قالوا : فبرأ كأن لم يكن به وجع قط ، فما وجعهما علي حتى مضى لسبيله ، ودعا له وأعطاه الراية ، قال سهل فقال علي : يا رسول الله أقاتلهم حتى يكونوا مثلنا . فقال : «انفذ على رسلك حتى تنزل بساحتهم . ثم ادعهم إلى الإسلام ، وأخبرهم بما يجب عليهم من حق الله تعالى - وحق رسوله . فو الله لأن يهدي الله بك رجلا واحدا خير لك من أن يكون لك حمر النعم» وقال أبو هريرة : إن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال لعلي : «اذهب فقاتلهم حتى يفتح الله عليك ولا تلتفت» قال : علام أقاتل الناس ؟ قال : «قاتلهم حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله وأن محمدا عبده ورسوله ، فإذا فعلوا ذلك فقد منعوا منك دماءهم وأموالهم إلا بحقها ، وحسابهم على الله» فخرجوا ، فخرج بها والله يؤج يهرول هرولة . حتى ركزها تحت الحصن فاطلع يهودي من رأس الحصن فقال : من أنت ؟ قال : علي ، فقال اليهودي غلبتهم والذي أنزل التوراة على موسى ، فما رجع حتى فتح الله تعالى على يديه .

                                                                                                                                                                                                                              قال أبو نعيم : فيه دلالة على أن فتح علي لحصنهم مقدم في كتبهم بتوجيه من الله وجهه إليهم ، ويكون فتح الله - تعالى - على يديه .

                                                                                                                                                                                                                              التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                              الخدمات العلمية