الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                              صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                              ذكر قتلهم وأخذ أموالهم وسبي ذراريهم

                                                                                                                                                                                                                              فلما حكم سعد ، بما حكم ، وانصرف رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يوم الخميس لتسع ليال كما [ ص: 12 ] ذكر محمد بن عمر وابن سعد ، وجزم به الدمياطي ، وقيل لخمس - كما جزم به في الإشارة - خلون من ذي الحجة ، وأمر بهم فأدخلوا المدينة ، وأمر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بالسبي فسيقوا إلى دار أسامة بن زيد ، والنساء والذرية إلى دار رملة بنت الحارث ، ويقال حبسوا جميعا في دار رملة ، وأمر لهم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بأحمال تمر فنثرت لهم ، فباتوا يكدمونها كدم الحمر ، وأمر بالسلاح والأثاث والمتاع والثياب فحمل إلى دار ابنة الحارث وبالإبل والغنم ترعى هناك في الشجر ، فلما أصبح رسول الله - صلى الله عليه وسلم - غدا إلى السوق ، فأمر بأخدود فخدت في السوق ما بين موضع دار أبي الجهم العدوي إلى أحجار الزيت ، فكان أصحابه هناك يحفرون ، وجلس رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ومعه علية أصحابه ودعا برجال بني قريظة ، فكانوا يخرجون أرسالا ، تضرب أعناقهم في تلك الخنادق ، فقالوا لكعب بن أسد - وهم يذهب بهم إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أرسالا : يا كعب ، ما ترى محمدا يصنع بنا ؟ قال : ما يسوءكم ، ويلكم! على كل حال لا تعقلون!! ألا ترون الداعي لا ينزع ، وأنه من ذهب منكم لا يرجع ؟ هو والله السيف ، قد دعوتكم إلى غير هذا فأبيتم علي قالوا : ليس هذا بحين عتاب ، لولا أنا كرهنا أن نزرى برأيك ما دخلنا في نقض العهد الذي كان بيننا وبين محمد ، قال حيي بن أخطب : اتركوا ما ترون من التلاوم ، فإنه لا يرد عنكم شيئا ، واصبروا للسيف ، وكان الذين يلون قتلهم علي بن أبي طالب والزبير بن العوام وجاء سعد بن عبادة والحباب بن المنذر ، فقالا : يا رسول الله ، إن الأوس قد كرهت قتل بني قريظة لمكان حلفهم ، فقال سعد بن معاذ : ما كرهه من الأوس أحد فيه خير ، فمن كرهه فلا أرضاه الله . فقام أسيد بن الحضير - رضي الله عنه - فقال : يا رسول الله : لا تبقين دارا من دور الأوس إلا فرقتهم فيها ، فمن سخط فلا يرغم الله إلا أنفه ، فابعث إلى داري أول دورهم ، ففرقهم في دور الأوس فقتلوهم ، ثم أتي بحيي بن أخطب مجموعة يداه إلى عنقه ، عليه حلة شقحية .

                                                                                                                                                                                                                              وقال ابن إسحاق : فقاحية قد لبسها للقتل ، ثم عمد إليها فشقها أنملة أنملة لئلا يسلبه إياها أحد . فقال له رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حين طلع : «ألم يمكن الله منك يا عدو الله : قال بلى والله ، أما والله ما لمت نفسي في عداوتك ، ولقد التمست العز في مكانه فأبى الله إلا أن يمكنك . ولقد قلقلت كل مقلقل ، ولكنه من يخذل الله يخذل . ثم أقبل علي الناس فقال : أيها الناس ، لا بأس بأمر الله ، قدر وكتاب وملحمة كتبت على بني إسرائيل ! ثم جلس فضربت عنقه ، وأتي بنباش بن قيس وقد جابذ الذي جاء به حتى قاتله فدق الذي جاء به أنفه فأرعفه .

                                                                                                                                                                                                                              فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - للذي جاء به «لم صنعت هذا به . أما كان في السيف كفاية ؟ » فقال : يا [ ص: 13 ] رسول الله ، جابذني لأن يهرب ، فقال نباش : كذب والتوراة يا أبا القاسم ، لو خلاني ما تأخرت عن موطن قتل فيه قومي حتى أكون كأحدهم ، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم : «أحسنوا إسارهم وقيلوهم واسقوهم ، حتى يبردوا ، فتقتلوا من بقي ، لا تجمعوا عليهم حر الشمس وحر السلاح» وكان يوما صائفا ، فقيلوهم وسقوهم ، فلما أبردوا راح رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقتل من بقي ، وأتي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بكعب بن أسد ، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم : «كعب» ؟ قال : نعم يا أبا القاسم قال : ما انتفعتم بنصح ابن جواس لكم ، وكان مصدقا بي ، أما أمركم باتباعي ، وإن رأيتموني أن تقرئوني منه السلام» ؟ قال : بلى والتوراة يا أبا القاسم ، ولولا أن تعيرني يهود بالجزع من السيف لاتبعتك ولكني على دين يهود ، قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - «قدمه فاضرب عنقه» فأمر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بقتل كل من أنبت منهم .


                                                                                                                                                                                                                              وروى ابن إسحاق ، والإمام أحمد ، وأبو داود ، والترمذي في صحيحه ، والنسائي عن عطية القرظي قال : كنت غلاما فوجدوني لم أنبت ، فخلوا سبيلي .

                                                                                                                                                                                                                              وروى الطبراني عن أسلم الأنصاري قال : جعلني رسول الله - صلى الله عليه وسلم - على أسارى قريظة ، فكنت أنظر إلى فرج الغلام فإن رأيته أنبت ضربت عنقه ، وإن لم أره جعلته في مغانم المسلمين .

                                                                                                                                                                                                                              وكان رفاعة بن سموأل القرظي رجلا قد بلغ ، فلاذ بسلمى بنت قيس أم المنذر ، أخت سليط بن قيس ، وكانت إحدى خالات النبي - صلى الله عليه وسلم - قد صلت القبلتين مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وبايعته مع بيعة النساء ، فقالت : يا نبي الله ، بأبي أنت وأمي ، هب لي رفاعة ، فإنه زعم أنه سيصلي ، ويأكل لحم الجمل ، فوهبه لها فاستحيته فأسلم بعد .

                                                                                                                                                                                                                              ولم يزل ذلك الدأب حتى فرغ منهم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقتلوا إلى أن غاب الشفق ، ثم رد عليهم التراب في الخندق ، كل ذلك بعين سعد بن معاذ فاستجاب الله دعوته وأقر عينه - رضي الله عنه ولم يقتل من نسائهم إلا امرأة واحدة من بني النضير يقال لها نباتة تحت رجل من بني قريظة يقال له الحكم ، وكان يحبها وتحبه ، فلما اشتد عليهم الحصار بكت إليه وقالت إنك لمفارقي ، فقال : هو والتوراة ، ما ترين فأنت امرأة ، فدلي عليهم هذه الرحى ، فإنا لم نقتل منهم أحدا بعد ، وأنت امرأة ، وإن يظهر محمد علينا فإنه لا يقتل النساء ، وإنما كره أن تسبى ، فأحب [ ص: 14 ] أن تقتل ، وكانت في حصن الزبير بن باطا فدلت رحى من فوق الحصن ، وكان المسلمون ربما جلسوا تحت الحصن يستظلون في فيئه ، فأطلعت الرحى فلما رآها القوم انفضوا ، وتدرك خلاد بن سويد فتشدخ رأسه ، فحذر المسلمون أهل الحصن ، فلما كان اليوم الذي أمر بهم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن يقتلوا فيه دخلت على عائشة - رضي الله عنها - فجعلت تضحك ظهرا لبطن ، وهي تقول : سراة بني قريظة يقتلون إذ سمعت صوت قائل يا «نباتة» ، قالت أنا والله التي أدعى ، قالت عائشة ولم ؟ قالت : قتلني زوجي ، وكانت جارية حلوة الكلام فقالت عائشة :

                                                                                                                                                                                                                              وكيف قتلك زوجك ؟ قالت : في حصن الزبير بن باطا فأمرني فدليت رحى على أصحاب محمد فشدخت رأس رجل منهم فمات ، وأنا أقتل به ، فانطلق بها ، فأمر بها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقتلت ، بخلاد بن سويد . فكانت عائشة تقول : لا أنسى طيب نفس نباتة ، وكثرة ضحكها ، وقد عرفت أنها تقتل .

                                                                                                                                                                                                                              وروى أبو داود قصتها مختصرة .

                                                                                                                                                                                                                              التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                              الخدمات العلمية