الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                              صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                              ذكر منام رسول الله صلى الله عليه وسلم الدال على عدم فتح الطائف حينئذ وإذنه بالرجوع واشتداد الرجوع على الناس قبل الفتح

                                                                                                                                                                                                                              قال ابن إسحاق : وبلغني أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال لأبي بكر : "إني رأيت أني أهديت لي قعبة مملوءة زبدا فنقرها ديك ، فهراق ما فيها" فقال أبو بكر : ما أظن أن تدرك منهم يومك هذا ما تريد ، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - "وأنا لا أرى ذلك" .

                                                                                                                                                                                                                              وروى محمد بن عمر عن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال : لما مضت خمس عشرة من حصار الطائف ، استشار رسول الله - صلى الله عليه وسلم - نوفل بن معاوية الديلي - رضي الله عنه - فقال : "يا نوفل ما ترى في المقام عليهم" قال : يا رسول الله ثعلب في جحر إن أقمت عليه أخذته ، وإن تركته لم يضرك .

                                                                                                                                                                                                                              قال ابن إسحاق : ثم إن خولة بنت حكيم السلمية ، وهي امرأة عثمان بن مظعون ، قالت :

                                                                                                                                                                                                                              يا رسول الله ، أعطني ، إن فتح الله عليك الطائف - حلي بادية بنت غيلان ، أو حلي الفارعة بنت عقيل - وكانتا من أحلى نساء ثقيف - فروى : أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال لها : "وإن كان لم يؤذن لنا في ثقيف يا خولة ؟ " فخرجت خولة ، فذكرت ذلك لعمر بن الخطاب - رضي الله عنه - فدخل على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال : يا رسول الله ما حديث حدثتنيه خولة ؟ " زعمت أنك قلته ؟ قال "قد قلته" قال "أوما أذن فيهم" قال : "لا" قال : أفلا أؤذن الناس بالرحيل ؟ قال :

                                                                                                                                                                                                                              "بلى" فأذن عمر بالرحيل
                                                                                                                                                                                                                              . [ ص: 388 ]

                                                                                                                                                                                                                              وروى الشيخان عن ابن عمرو أو ابن عمر - رضي الله عنهم - قال : لما حاصر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - الطائف ولم ينل منهم شيئا قال "إنا قافلون غدا إن شاء الله تعالى" فثقل عليهم ، وقالوا :

                                                                                                                                                                                                                              أنذهب ولا نفتح ؟ وفي لفظ فقالوا : لا نبرح أو نفتحها ، فقال : "اغدوا على القتال" فغدوا فقاتلوا قتالا شديدا ، فأصابهم جراح ، فقال : "إنا قافلون غدا إن شاء الله تعالى" قال : فأعجبهم ، فضحك رسول الله - صلى الله عليه وسلم -
                                                                                                                                                                                                                              قال عروة - رحمه الله تعالى - كما رواه البيهقي - وأمر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - الناس أن لا يسرحوا ظهرهم ، فلما أصبحوا ، ارتحل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأصحابه ودعا حين ركب قافلا وقال : "اللهم اهدهم واكفنا مؤنتهم" .

                                                                                                                                                                                                                              وروى الترمذي - وحسنه عن جابر - رضي الله عنه - قال : قال يا رسول الله أحرقتنا نار ثقيف ، فادع الله - تعالى - عليهم فقال : "اللهم اهد ثقيفا وأت بهم" .

                                                                                                                                                                                                                              قال ابن إسحاق في رواية يونس وحدثني عبد الله بن أبي بكر ، وعبد الله بن المكرم عمن أدركوا من أهل العلم : أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حاصر أهل الطائف ثلاثين ليلة أو قريبا من ذلك ثم انصرف عنهم ولم يؤذن فيهم ، فقدم وفدهم في رمضان فأسلموا ، قلت : وسيأتي بيان ذلك في الوفود إن شاء الله تعالى . قال ابن إسحاق في رواية زياد : "وحاصرهم بضعا وعشرين ليلة ، وقيل : عشرين يوما وقيل : بضع عشرة ليلة" قال ابن حزم : وهو الصحيح بلا شك .

                                                                                                                                                                                                                              وروى الإمام أحمد ، ومسلم عن أنس أنهم حاصروا الطائف أربعين ليلة واستغربه في البداية .

                                                                                                                                                                                                                              قال محمد بن عمر : فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لأصحابه حين أرادوا أن يرتحلوا : "قولوا لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، صدق وعده ونصر عبده ، وأعز جنده ، وهزم الأحزاب وحده" فلما ارتحلوا واستقبلوا قال : "قولوا آئبون ، إن شاء الله تائبون عابدون لربنا حامدون" .

                                                                                                                                                                                                                              التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                              الخدمات العلمية