الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                              صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                              ذكر ثبات أم سليم بنت ملحان ، وأم عمارة نسيبة - بفتح النون ، وكسر السين المهملة ، وسكون التحتية ، وبالموحدة : بنت كعب - رضي الله تعالى عنها .

                                                                                                                                                                                                                              قال ابن إسحاق : حدثني عبد الله بن أبي بكر : إن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - رأى أم سليم بنت ملحان ، وكانت مع زوجها أبي طلحة ، وهي حامل بعبد الله بن أبي طلحة ، وقد خشيت أن يغر بها الجمل ، فأدنت رأسه منها ، وأدخلت يدها في خزامه مع الخطام ، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : «أم سليم” ؟ قالت : نعم بأبي أنت وأمي يا رسول الله ، أقتل المنهزمين عنك كما تقتل الذين يقاتلونك ، فإنهم لذلك أهل” فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : «أو يكفي الله يا أم سليم” .

                                                                                                                                                                                                                              وعند محمد بن عمر : «قد كفى الله تعالى عافية الله تعالى أوسع” .

                                                                                                                                                                                                                              وروى ابن أبي شيبة ، والإمام أحمد ، ومسلم عن أنس - رضي الله عنه - قال : اتخذت أم سليم خنجرا أيام حنين ، فكان معها ، فلقي أبو طلحة أم سليم ومعها الخنجر ، فقال أبو طلحة :

                                                                                                                                                                                                                              ما هذا ؟ قالت : إن دنا مني بعض المشركين أبعج به بطنه ، فقال أبو طلحة : أما تسمع يا رسول الله ما تقول أم سليم ؟ فضحك رسول الله - صلى الله عليه وسلم فقالت : يا رسول الله أقتل من يعدونا من الطلقاء ، انهزموا عنك فقال : «إن الله تعالى قد كفى وأحسن يا أم سليم”
                                                                                                                                                                                                                              .

                                                                                                                                                                                                                              وروى محمد بن عمر عن عمارة بن غزية قال : قلت أم عمارة : لما كان يوم حنين والناس منهزمون في كل وجه ، وكنا أربع نسوة ، وفي يدي سيف لي صارم ، وأم سليم معها خنجر قد حزمته على وسطها ، وإنها يومئذ حامل بعبد الله بن أبي طلحة ، وأم سليط ، وأم الحارث . [ ص: 331 ]

                                                                                                                                                                                                                              قال شيوخ محمد بن عمر : فجعلت أم عمارة تصيح يا للأنصار : أية عادة هذه . ما لكم والفرار ؟ ! قالت : وأنظر إلى رجل من هوازن على جمل أورق معه لواء يوضع جمله في أثر المسلمين ، فأعترض له فأضرب عرقوب الجمل . فيقع على عجزه وأشد عليه ، ولم أزل أضربه حتى أثبته ، وأخذت سيفا له .

                                                                                                                                                                                                                              ورسول الله - صلى الله عليه وسلم - قائم ، مصلت السيف بيده ، قد طرح غمده ينادي : «يا أصحاب سورة البقرة” فكر الأنصار ،

                                                                                                                                                                                                                              ووقفت هوازن قدر حلب ناقة فتوح ، ثم كانت إياها ، فو الله ما رأيت هزيمة قط كانت مثلها ، قد ذهبوا في كل وجه ، فرجع إلي أبنائي جميعا :

                                                                                                                                                                                                                              حبيب وعبد الله أبناء زيد بأسارى مكتفين ، فأقوم إليه من الغيظ فأضرب عنق واحد منهم ، وجعل الناس يأتون بالأسارى فرأيت في بني مازن ابني النجار ثلاثين أسيرا ، وكان المسلمون بلغ أقصى هزيمتهم مكة ، ثم كروا بعد وتراجعوا ، فأسهم لهم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - جميعا ، وكانت أم الحارث الأنصارية آخذة بخطام جمل الحارث زوجها ، وكان يسمى المجسار فقالت : يا حار أتترك رسول الله - صلى الله عليه وسلم - والناس يولون منهزمين ؟ ! وهي لا تفارقه ، قالت : فمر علي عمر بن الخطاب فقلت : يا عمر ما هذا ؟ قال : أمر الله تعالى .

                                                                                                                                                                                                                              التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                              الخدمات العلمية