الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                              صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                              ذكر خطبته - صلى الله عليه وسلم - يوم الفتح

                                                                                                                                                                                                                              روى الإمام أحمد ، وأبو داود ، والنسائي ، وابن ماجة عن عبد الله بن عمر بن الخطاب والبخاري في صحيحه عن مجاهد . وابن أبي شيبة وابن إسحاق عن صفية بنت شيبة ، والبيهقي عن عبد الله بن عمر ، وابن أبي شيبة عن عبد الله بن عبيدة قالوا : إن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لما خرج من البيت استكف له الناس ، وأشرف على الناس وقد ليط بهم حول الكعبة - وهم جلوس - قام على بابه فقال : «لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، صدق وعده” ولفظ الإمام أحمد ، ومحمد بن عمر : «الحمد لله الذي صدق وعده ، ثم اتفقوا «ونصر عبده ، وهزم الأحزاب وحده ، يا معشر قريش ماذا تقولون ؟ ماذا تظنون ؟ ” قالوا : نقول خيرا ونظن خيرا ، نبي كريم ، وأخ كريم ، وابن أخ كريم ، وقد قدرت . فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - «فإني أقول كما قال أخي يوسف : لا تثريب عليكم اليوم يغفر الله لكم وهو أرحم الراحمين ؟ [يوسف 92] «اذهبوا فأنتم الطلقاء” فخرجوا كأنما نشروا من القبور فدخلوا في الإسلام ، ثم قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : «ألا إن كل ربا في الجاهلية أو دم أو مأثرة أو مال يدعى فهو تحت قدمي هاتين - وأول دم أضعه دم ربيعة بن الحارث إلا سدانة البيت وسقاية الحاج ، ألا وفي قتيل العصا والسوط والخطأ شبه العمد الدية مغلظة مائة ناقة ، منها أربعون في بطونها أولادها ، ألا وإن الله تعالى - قد أذهب عنكم نخوة الجاهلية وتكبرها بآبائها ، كلكم لآدم وآدم من تراب” . ثم تلا هذه الآية : يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا إن أكرمكم عند الله أتقاكم إن الله عليم خبير [الحجرات 13] «يا أيها الناس!! الناس رجلان ، فبر تقي كريم وكافر شقي هين على الله ، ألا إن الله - تعالى - حرم مكة يوم خلق السماوات والأرض ، ووضع هذين الأخشبين ، فهي حرام بحرام الله ، لم تحل لأحد كان قبلي ، ولن تحل لأحد كائن بعدي ، لم تحل لي إلا ساعة من نهار يقصرها - صلى الله عليه وسلم - بيده هكذا - ولا ينفر صيدها ، ولا يعضد عضاهها ، ولا تحل لقطتها إلا لمنشد ، ولا يختلى خلاها” فقال العباس ، [ ص: 243 ] وكان شيخا مجربا : إلا الإذخر يا رسول الله فإنه لا بد لنا منه - للقين وظهور البيوت ، فسكت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ساعة ثم قال : «إلا الإذخر فإنه حلال ، ولا وصية لوارث ، وإن الولد للفراش وللعاهر الحجر ، ولا يحل لامرأة أن تعطي من مال زوجها إلا بإذن زوجها ، والمسلم أخو المسلم ، والمسلمون إخوة ، والمسلمون يد واحدة على من سواهم ، تتكافأ دماؤهم ، وهم يرد عليهم أقصاهم ، ويعقل عليهم أدناهم ، ومشدهم على مضعفهم ومثريهم على قاعدهم ، ولا يقتل مسلم بكافر ، ولا ذو عهد في عهده ، ولا يتوارث أهل ملتين مختلفتين ، ولا جلب ولا جنب ، ولا تؤخذ صدقات المسلمين إلا في بيوتهم وبأفنيتهم ، ولا تنكح المرأة على عمتها ولا على خالتها . والبينة على من ادعى ، واليمين على من أنكر ، ولا تسافر امرأة مسيرة ثلاث إلا مع ذي محرم ، ولا صلاة بعد العصر ، وبعد الصبح ، وأنهاكم عن صيام يومين يوم الأضحى ويوم الفطر ، وعن لبستين ألا يحتبي أحدكم في ثوب واحد يفضي بعورته إلى السماء ، وألا يشتمل الصماء ، فقام رجل فقال : يا رسول الله إني قد عاهرت في الجاهلية ، فقال : من عاهر بامرأة لا يملكها - أو أمة قوم آخرين لا يملكها - ثم ادعى ولده بعد ذلك فإنه لا يجوز له ، ولا يرث ولا يورث - ولا أخالكم إلا قد عرفتموها يا معشر المسلمين كفوا السلاح إلا خزاعة ، عن بني بكر من ضحوة نهار الفتح إلى صلاة العصر منه - فخبطوهم ساعة - وهي الساعة التي أحلت لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - ولم تحل لأحد قبله ، ثم قال لهم : «كفوا السلاح فقام أبو شاة فقال : اكتب لي يا رسول الله ، فقال «اكتبوا لأبي شاة ، أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم” . قال الزهري - فيما رواه عبد الرزاق ، والطبراني : ثم نزل - ونزل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ومعه المفتاح ، فتنحى ناحية من المسجد ، فجلس عند السقاية .

                                                                                                                                                                                                                              قال شيوخ محمد بن عمر : وكان - صلى الله عليه وسلم - قد قبض مفتاح السقاية من العباس ، ومفتاح البيت من عثمان .

                                                                                                                                                                                                                              وروى ابن أبي شيبة عن عبد الله بن عبيدة : أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بعد خطبته عدل إلى جانب المسجد فأتي بدلو من ماء زمزم ، فغسل منها وجهه ما يقع منه قطرة إلا في يد إنسان إن كانت قدر ما يحسوها حساها وإلا مسح جلده . والمشركون ينظرون فقالوا : ما رأينا ملكا قط أعظم من اليوم . ولا قوما أحمق من القوم . [ ص: 244 ]

                                                                                                                                                                                                                              التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                              الخدمات العلمية