الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                              معلومات الكتاب

                                                                                                                                                                                                                              سبل الهدى والرشاد في سيرة خير العباد

                                                                                                                                                                                                                              الصالحي - محمد بن يوسف الصالحي الشامي

                                                                                                                                                                                                                              صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                              ذكر تصديقه - صلى الله عليه وسلم - لعثمان بن طلحة قبل الهجرة بأن المفتاح سيصير بيده - صلى الله عليه وسلم - يضعه حيث شاء ونزل قوله تعالى : إن الله يأمركم أن تؤدوا الأمانات إلى أهلها

                                                                                                                                                                                                                              [النساء 58]

                                                                                                                                                                                                                              روى ابن سعد عن إبراهيم بن محمد العبدري عن أبيه ، محمد بن عمر عن شيوخه ، قالوا : قال عثمان بن طلحة : لقيني رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بمكة قبل الهجرة ، فدعاني إلى الإسلام فقلت : يا محمد العجب لك حيث تطمع أن أتبعك ، وقد خالفت دين قومك وجئت بدين محدث ، وكنا نفتح الكعبة في الجاهلية الاثنين والخميس ، فأقبل يوما يريد أن يدخل الكعبة مع الناس فأغلظت عليه ونلت منه ، فحلم عني ، ثم قال : «يا عثمان لعلك سترى هذا المفتاح يوما بيدي أضعه حيث شئت” فقلت ، لقد هلكت قريش وذلت . قال : «بل عمرت يومئذ وعزت” ، ودخل الكعبة ، فوقعت كلمته مني موقعا فظننت أن الأمر سيصير كما قال ، فأردت الإسلام فإذا قومي يزبرونني زبرا شديدا ، فلما كان يوم الفتح قال لي يا عثمان : «ائت بالمفتاح” فأتيته به . فأخذه مني ، ثم دفعه إلي وقال : «خذوها خالدة تالدة لا ينزعها منكم إلا ظالم ، يا عثمان إن الله استأمنكم على بيته ، فكلوا مما وصل إليكم من هذا البيت بالمعروف” فلما وليت ناداني ، فرجعت إليه ، فقال : «ألم يكن الذي قلت لك ؟ فذكرت قوله لي بمكة قبل الهجرة «لعلك سترى هذا المفتاح يوما بيدي أضعه حيث شئت” فقلت : بلى . أشهد أنك رسول الله ، فقام علي بن أبي طالب ومفتاح الكعبة بيده فقال : يا رسول الله - اجمع لنا الحجابة مع السقاية! فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أين عثمان بن طلحة ؟ فدعا فقال : «هاك مفتاحك يا عثمان ، اليوم يوم بر ووفاء” قالوا : وأعطاه المفتاح ورسول الله - صلى الله عليه وسلم - مضطبع بثوبه عليه ، وقال «غيبوه . إن الله تعالى رضي لكم بها في الجاهلية والإسلام” .

                                                                                                                                                                                                                              وروى الفاكهي عن جبير بن مطعم : أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لما ناول عثمان المفتاح قال له «غيبه”

                                                                                                                                                                                                                              قال الزهري : فلذلك يغيب المفتاح .

                                                                                                                                                                                                                              وروى ابن عائذ ، وابن أبي شيبة من مرسل عبد الرحمن ابن سابط : أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - دفع مفتاح الكعبة إلى عثمان بن طلحة ، فقال : «خذوها خالدة مخلدة ، إني لم أدفعها إليكم ، ولكن الله - تعالى - دفعها إليكم ، ولا ينزعها منكم إلا ظالم” .

                                                                                                                                                                                                                              وروى ابن عائذ أيضا ، والأزرقي عن ابن جريج - رحمه الله - تعالى - أن عليا - رضي الله عنه - قال للنبي - صلى الله عليه وسلم - : اجمع لنا الحجابة والسقاية فنزلت : إن الله يأمركم أن تؤدوا الأمانات إلى أهلها [ ص: 245 ] [النساء 58] فدعا عثمان فقال : «خذوها يا بني شيبة خالدة مخلدة” .

                                                                                                                                                                                                                              وفي لفظ : «تالدة لا ينزعها منكم إلا ظالم” .

                                                                                                                                                                                                                              وروى الأزرقي عن جابر ومجاهد قال : نزلت هذه الآية «إن الله يأمركم أن تؤدوا الأمانات إلى أهلها” في عثمان بن طلحة بن أبي طلحة . فقبض رسول الله - صلى الله عليه وسلم - مفتاح الكعبة ودخل في الكعبة يوم الفتح ، فخرج رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وهو يتلو هذه الآية ، فدعا عثمان ، فدفع إليه المفتاح ، وقال - صلى الله عليه وسلم - «خذوها يا بني أبي طلحة بأمانة الله - سبحانه وتعالى - لا ينزعها منكم إلا ظالم” .

                                                                                                                                                                                                                              وقال عمر بن الخطاب : لما خرج رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من الكعبة خرج وهو يتلو هذه الآية ، ما سمعته يتلوها قبل ذلك .

                                                                                                                                                                                                                              وروى أيضا نحوه عن سعيد بن المسيب قال : دفع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - مفتاح الكعبة إلى عثمان بن طلحة يوم الفتح ، وقال : «خذوها يا بني طلحة خالدة تالدة لا يظلمكموها إلا كافر” .

                                                                                                                                                                                                                              وروى عبد الرزاق والطبراني عن الزهري : أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لما خرج من البيت قال علي : «إنا أعطينا النبوة والسقاية ، والحجابة ، ما قوم بأعظم نصيبا منا فكره رسول الله - صلى الله عليه وسلم - مقالته ، ثم دعا عثمان بن طلحة فدفع المفتاح إليه وقال : «غيبوه” .

                                                                                                                                                                                                                              وقال عبد الرزاق عن ابن جريج عن ابن أبي مليكة : إن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال لعلي يومئذ حين كلمه في المفتاح : «إنما أعطيتكم ما ترزؤون ، ولم أعطكم ما ترزؤون” يقول :

                                                                                                                                                                                                                              «أعطيتكم السقاية لأنكم تغرمون فيها ، ولم أعطكم البيت”
                                                                                                                                                                                                                              .

                                                                                                                                                                                                                              قال عبد الرزاق : أي أنهم يأخذون من هديته .

                                                                                                                                                                                                                              وروى عبد الرزاق عن ابن أبي مليكة : أن العباس - رضي الله عنه - قال للنبي - صلى الله عليه وسلم - :

                                                                                                                                                                                                                              يا نبي الله!! اجمع لنا الحجابة مع السقاية ، ونزل الوحي على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال : «ادعوا لي عثمان بن طلحة ، فدعي له فدفع له النبي - صلى الله عليه وسلم - المفتاح ، وستر عليه ، قال : فرسول الله - صلى الله عليه وسلم - أول من ستر عليه ، ثم قال : «خذوها يا بني طلحة لا ينتزعها منكم إلا ظالم” .

                                                                                                                                                                                                                              التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                              الخدمات العلمية