الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                              معلومات الكتاب

                                                                                                                                                                                                                              سبل الهدى والرشاد في سيرة خير العباد

                                                                                                                                                                                                                              الصالحي - محمد بن يوسف الصالحي الشامي

                                                                                                                                                                                                                              صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                              ذكر صلاته - صلى الله عليه وسلم - على ذي البجادين رضي الله عنه

                                                                                                                                                                                                                              روى ابن إسحاق ، وابن منده عن ابن مسعود - رضي الله عنه - ومحمد بن عمر عن شيوخه قالوا : كان عبد الله ذو البجادين من مزينة ، مات أبوه وهو صغير فلم يورثه شيئا ، وكان عمه ميلا فأخذه فكفله حتى كان قد أيسر ، وكانت له إبل وغنم ورقيق ، فلما قدم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - المدينة جعلت نفسه تتوق إلى الإسلام ولا يقدر عليه من عمه ، حتى مضت السنون والمشاهد كلها ، فانصرف رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من فتح مكة راجعا إلى المدينة ، فقال عبد الله ذو البجادين لعمه : يا عم قد انتظرت إسلامك فلا أراك تريد محمدا ، فائذن لي في الإسلام ، فقال : والله لئن اتبعت محمدا لا تركت بيدك شيئا كنت أعطيتكه إلا انتزعته منك حتى ثوبيك ، فقال : وأنا والله متبع محمدا ومسلم وتارك عبادة الحجر والوثن ، وهذا ما بيدي فخذه ، فأخذ كل ما أعطاه حتى جرده من إزاره ، فجاء أمه فقطعت بجادا لها باثنين فائتزر بواحد وارتدى بالآخر ،

                                                                                                                                                                                                                              ثم أقبل إلى المدينة فاضطجع في المسجد ، ثم صلى مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - الصبح ، وكان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يتصفح الناس إذا انصرف من الصبح ، فنظر إليه فأنكره ، فقال "من أنت ؟ " فانتسب له ، فقال : "أنت عبد الله ذو البجادين" ثم قال : "انزل مني قريبا" فكان يكون في أضيافه ويعلمه القرآن ، حتى قرأ قرآنا كثيرا ، وكان رجلا صيتا فكان يقوم في المسجد فيرفع صوته في القراءة ، فقال عمر : يا رسول الله ألا تسمع هذا الأعرابي يرفع صوته بالقرآن حتى قد منع الناس القراءة ؟ فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - "دعه يا عمر : فإنه قد خرج مهاجرا إلى الله تعالى وإلى رسوله" فلما خرج رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلى تبوك قال : يا رسول الله . ادع الله تعالى لي بالشهادة ، فقال : أبلغني بلحاء سمرة فأبلغه بلحاء سمرة ، فربطها رسول الله - صلى الله عليه وسلم . [ ص: 460 ]

                                                                                                                                                                                                                              على عضده ، وقال : "اللهم إني أحرم دمه على الكفار" فقال : يا رسول الله ، ليس هذا أردت فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - "إنك إذا خرجت غازيا في سبيل الله فأخذتك الحمى فقتلتك فأنت شهيد . وإذا وقصتك دابتك فأنت شهيد لا تبالي بأية كان" فلما نزلوا تبوك أقاموا بها أياما ، ثم توفي عبد الله ذو البجادين ، فكان بلال بن الحارث المزني يقول : حضرت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ومع بلال المؤذن شعلة من نار عند القبر واقفا بها ، وإذا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في القبر ، وإذا أبو بكر وعمر يدليانه إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وهو يقول : "أدنيا لي أخاكما" فلما هيأه لشقه في اللحد قال : "اللهم إني قد أمسيت عنه راضيا فارض عنه" فقال ابن مسعود : يا ليتني كنت صاحب اللحد .

                                                                                                                                                                                                                              وروى الطبراني برجال وثقوا ، وأبو نعيم عن محمد بن حمزة بن عمرو الأسلمي عن أبيه عن جده - رضي الله عنه - قال : خرج رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلى غزوة تبوك ، وكنت على خدمته ذلك ، فنظرت إلى نحي السمن قد قل ما فيه ، وهيأت للنبي - صلى الله عليه وسلم - طعاما فوضعت النحي في الشمس ، ونمت فانتبهت بخرير النحي ، فقمت فأخذت رأسه بيدي . فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ورآني : لو تركته لسال الوادي سمنا .

                                                                                                                                                                                                                              التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                              الخدمات العلمية