الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                              معلومات الكتاب

                                                                                                                                                                                                                              سبل الهدى والرشاد في سيرة خير العباد

                                                                                                                                                                                                                              الصالحي - محمد بن يوسف الصالحي الشامي

                                                                                                                                                                                                                              صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                              ذكر نزول سورة الفتح ومرجع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وما ظهر في ذلك من الآيات

                                                                                                                                                                                                                              روى الإمام أحمد ، والبخاري ، والترمذي ، والنسائي ، وابن حبان وابن مردويه عن عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - قال : كنا مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في سفر يعني «الحديبية» فسألته عن شيء ثلاث مرات ، فلم يرد علي ، فقلت في نفسي : ثكلتك أمك يا ابن الخطاب ، نزرت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ثلاث مرات فلم يرد عليك ، فحركت بعيري ، ثم تقدمت أمام الناس ، وخشيت أن ينزل في القرآن ، فما نشبت أن سمعت صارخا يصرخ بي ، فرجعت وأنا أظن أنه نزل في شيء ،

                                                                                                                                                                                                                              فقال النبي - صلى الله عليه وسلم - «لقد أنزلت علي الليلة سورة هي أحب إلي من الدنيا وما فيها إنا فتحنا لك فتحا مبينا ليغفر لك الله ما تقدم من ذنبك وما تأخر

                                                                                                                                                                                                                              [الفتح 1 ، 2] .

                                                                                                                                                                                                                              وروى ابن أبي شيبة والإمام أحمد ، وابن سعد ، وأبو داود ، وابن جرير ، وابن المنذر ، والحاكم - وصححه - وابن مردويه ، والبيهقي في الدلائل ، عن مجمع بن جارية الأنصاري - رضي الله عنه - قال : شهدنا «الحديبية» مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فلما انصرفنا عنها إلى كراع الغميم إذا الناس يوجفون الأباعر ، فقال الناس بعضهم لبعض : ما للناس ؟ قالوا : أوحي إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فخرجنا مع الناس نوجف ، فإذا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - على راحلته عند «كراع الغميم»

                                                                                                                                                                                                                              فاجتمع الناس إليه فقرأ عليهم إنا فتحنا لك فتحا مبينا ، الفتح ، فقال رجل من أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - أو هو فتح ؟ فقال : «أي والذي نفسي بيده إنه فتح»


                                                                                                                                                                                                                              زاد ابن سعد : فلما نزل بها جبريل قال : ليهنئك يا رسول الله ، فلما هنأه جبريل هنأه الناس .

                                                                                                                                                                                                                              وروى عبد الرازق والإمام أحمد ، وابن أبي شيبة ، وعبد بن حميد ، والشيخان والترمذي ، وابن جرير ، وابن المنذر ، والحاكم عن أنس - رضي الله عنه - قال : لما رجعنا من « الحديبية » قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - «أنزلت علي ضحى آية هي أحب إلي من الدنيا جميعا» [ ص: 60 ] ثلاثا - قلنا - وفي لفظ قالوا - هنيئا مريئا لك يا رسول الله قد بين الله لك ماذا يفعل بك ، فماذا يفعل بنا ؟ فنزلت ، وفي لفظ فنزلت عليه : ليدخل المؤمنين والمؤمنات جنات تجري من تحتها الأنهار [الفتح 5] حتى بلغ فوزا عظيما .

                                                                                                                                                                                                                              وروى ابن أبي شيبة ، والإمام أحمد ، والبخاري في تاريخه ، وأبو داود والنسائي ، وابن جرير ، وغيرهم عن ابن مسعود رضي الله عنه ، قال : «أقبلنا من الحديبية » مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فبينا نحن نسير إذ أتاه الوحي ، وكان إذا أتاه اشتد عليه ، فسري عنه وبه من السرور ما شاء الله ، فأخبرنا أنه أنزل عليه إنا فتحنا لك فتحا مبينا .

                                                                                                                                                                                                                              وروى البيهقي من طريق المسعودي عن جامع بن شداد عن عبد الرحمن بن أبي علقمة عن ابن مسعود - رضي الله عنه - قال : لما أقبل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من « الحديبية » جعلت ناقته تثقل فأنزل الله تعالى إنا فتحنا لك فتحا مبينا فأدركنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من السرور ما شاء ، فأخبرنا أنها أنزلت عليه ،

                                                                                                                                                                                                                              فبينا نحن ذات ليلة إذ عرس بنا ، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - «من يحرسنا» ؟ فقلت أنا يا رسول الله ، فقال : «إنك تنام» ثم قال : «من يحرسنا» فقلت :

                                                                                                                                                                                                                              أنا . فقال : أنت ، فحرستهم ، حتى إذا كان وجه الصبح أدركني قول رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إنك تنام ، فما استيقظت إلا بالشمس ، فلما استيقظنا قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : «إن الله لو شاء أن لا تناموا عنها لا تناموا ، ولكنه أراد أن يكون ذلك لمن بعدكم» ، ثم قام فصنع كما كان يصنع ، ثم قال : «هكذا لمن نام أو نسي من أمتي» ثم ذهب القوم في طلبهم رواحلهم فجاءوا بهن غير راحلة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال : فقال لي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - «اذهب هاهنا» ووجهني وجها فذهبت حيث وجهني فوجدت زمامها قد التوى بشجرة ما كانت تحلها الأيدي .


                                                                                                                                                                                                                              قال البيهقي :

                                                                                                                                                                                                                              كذا قال المسعودي عن جامع بن شداد : أن ذلك كان حين أقبلوا من الحديبية ، ثم روى من طريق شعبة - وناهيك به عن جامع بن شداد عن عبد الرحمن بن أبي علقمة عن ابن مسعود قال : أقبلنا مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من غزوة تبوك قال البيهقي : يحتمل أن يكون مراد المسعودي بذكر الحديبية تاريخ نزول السورة حين أقبلوا من الحديبية فقط ، ثم ذكر معه حديث النوم عن الصلاة ، وحديث الراحلة ، وكانا في غزوة تبوك قلت لم ينفرد المسعودي بذلك ، قال ابن أبي شيبة في المصنف : حدثنا منذر عن شعبة عن جامع بن شداد به ، ولا مانع من التعدد . [ ص: 61 ]

                                                                                                                                                                                                                              التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                              الخدمات العلمية