[ ص: 40 ] باب مسألة : قال كيفية القرعة بين المماليك وغيرهم الشافعي رحمه الله : " أحب القرعة إلي وأبعدها من الحيف عندي أن تقطع رقاع صغار مستوية فيكتب في كل رقعة اسم ذي السهم حتى يستوظف أسماءهم ثم تجعل في بنادق طين مستوية وتوزن ثم تستجف ثم تلقى في حجر رجل لم يحضر الكتابة ولا إدخالها في البندق ويغطى عليها ثوب ثم يقال له أدخل يدك فأخرج بندقة فإذا أخرجها فضمت وقرئ اسم صاحبها ودفع إليه الجزء الذي أقرع عليه ثم يقال له أقرع على الجزء الثاني الذي يليه وهكذا ما بقي من السهمان شيء حتى تنفد وهذا في الرقيق وغيرهم سواء " .
قال الماوردي : اعلم أن لتمييز ما اشتبه إذا تعذر تمييزه بغيرها ، لتزول فيه التهمة ، ويخرج عن توهم الممايلة فوجب أن تستعمل على أحوط الممكنات فيها ، وهي على ما وصفها القرعة تدخل في الأحكام الشافعي أحوط ممكن فيها ، فاعتبر فما وصفه منها خمسة أشياء مبالغة في الاحتياط ، واحترازا من الحيلة ، وبعدا من التهمة .
وقال مالك : كيفما أقرع الحاكم بينهم ، ولو بأقلام دواته أجزأ ، وهذا عدول عن الاحتياط ، وتعرض للارتياب الذي يمنع منه الحكام .
واختار الشافعي أن تكون الرقاع في بنادق طين ، وهو أولى من الشمع والحديد ؛ لأن الشمع لين تتم فيه الحيلة ، والحديد شديد لا ينفتح ، وإن لين بالنار ربما أحرقت رقاعه .
واختار ثانيا : بأن تكون البنادق متساوية الوزن والصفة ، مدورة قد ملست ، لئلا تختلف فتتميز .
واختار ثالثا : أن تجفف حتى تيبس ، فلا تتم فيها حيلة .
واختار رابعا : أن توضع مغطاة ، ويؤمر من لم يشاهدها بالإخراج حتى لا يرى ما تتوجه به إليه تهمة .
واختار خامسا : أن يكون المخرج قليل الفطنة ظاهر السلامة ليبعد من الأدغال ، [ ص: 41 ] والحيلة ، فهذا أحوط ما يمكن فيها ، وليس بعد ما ذكره الشافعي في صفتها من هذه الفصول الخمسة احتياط يؤمر به الحكام ، فإن قصر في بعضها أساء ، ولم يبطل حكمه . والله أعلم .