الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                            معلومات الكتاب

                                                                                                                                            الحاوي الكبير في فقه مذهب الإمام الشافعي

                                                                                                                                            الماوردي - أبو الحسن علي بن محمد بن حبيب الماوردي

                                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                                            فصل : وأما الفصل الثالث : في الجمع بين العتق في المرض والوصية بالعتق ، وهما جميعا من الثلث لكن عتق المرض مقدم على عتق الوصية ، فإذا أعتق عبدا في مرضه ، ووصى بعتق آخر بعد موته ، فهو على أربعة أضرب :

                                                                                                                                            أحدها : أن يعين العبد المعتق في المرض ، والعبد المعتق بالوصية ، فيقول : هذا [ ص: 57 ] العبد حر ، وأعتقوا هذا العبد الآخر بعد موتي ، فللثلث أربعة أحوال :

                                                                                                                                            أحدها : أن يحتمل قيمته العبدين ، فيتحرر به عتق المرض ، وعتق الوصية .

                                                                                                                                            والحال الثانية : أن يحتمل الثلث قيمة أحدهما دون الآخر ، فيتحرر به عتق المرض ، ورد عتق الوصية .

                                                                                                                                            والحال الثالثة : أن يحتمل الثلث قيمة أحدهما ، وبعض الآخر فيتحرر به عتق المرض كاملا ، ويعتق من عبد الوصية بقدر الباقي من الثلث ، ويرق باقيه .

                                                                                                                                            والحال الرابعة : أن يحتمل الثلث بعض أحدهما ، ويعجز عن الباقي ، فيتحرر به من عتق المرض ، قدر ما احتمله الثلث ، ويرق باقيه ، وجميع الآخر .

                                                                                                                                            والضرب الثاني : أن يبهم عتق المرض وعتق الوصية في عبيده ، ولا يعينهما ، فيقول في مرضه : أحد عبيدي حر ، وأعتقوا أحدهم بعد موتي ، فإنهما مبهمان ، فوجب التعيين ، وفيما يتعينان به قولان :

                                                                                                                                            أحدهما : يتعينان ببيان الورثة ، فيرجع إلى بيانهم من غير قرعة ؛ لأنهم يقومون مقامه بعد موته ، فإذا عينوهما من بين العبيد صار كتعيين السيد ، فيكون على ما مضى من الأحوال الأربعة .

                                                                                                                                            والقول الثاني : أنه يرجع في تعيينها إلى القرعة دون الورثة ، وهو أصح لأمرين : أحدهما : أنها أبعد من التهمة .

                                                                                                                                            والثاني : لتعذر علم الورثة بإرادة السيد . فيبدأ بالقرعة بعتق المرض فإن استوعب الثلث بطل عتق الوصية ، وإن بقي من الثلث بقية أقرع لعتق الوصية ، فإن احتمل بقية الثلث جميع قيمته عتق ، وإن عجز عتق منه بقدر ما احتمله الباقي ، ورق باقيه .

                                                                                                                                            والضرب الثالث : أن يعين عتق المرض ، ويبهم عتق الوصية ، فيقول : هذا العبد حر ، وأعتقوا آخر بعد موتي ، فينظر في عتق المرض . فإن استوعب الثلث بطل عتق الوصية ، ولم يحتج إلى بيانه ، وإن بقي من الثلث بقية صرفت في عتق الوصية ، فاحتيج إلى بيانه ، فيرجع إلى بيان الورثة في أحد القولين ، وإلى القرعة في القول الثاني .

                                                                                                                                            والضرب الرابع : أن يعين عتق الوصية ، ويبهم عتق المرض فيقول : أحد عبيدي حر ، وأعتقوا هذا بعد موتي ، فلا تمضى الوصية بعتق المعتق حتى يتعين في أحدهم [ ص: 58 ] عتق المرض ، فيرجع في تعيينه إلى بيان الورثة في أحد القولين ، وإلى القرعة في القول الثاني ثم يعتبران في الثلث ، ويكونان فيه على الأحوال الأربعة .

                                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                                            الخدمات العلمية