الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
[ ص: 52 ] والذين يؤمنون بما أنزل إليك وما أنزل من قبلك وبالآخرة هم يوقنون .

[4] والذين يؤمنون بما أنزل إليك يعني: القرآن.

وما أنزل من قبلك من التوراة والإنجيل وسائر الكتب المنزلة على الأنبياء -عليهم السلام-. قرأ ابن كثير، وأبو جعفر : بقصر المد المنفصل حيث وقع، واختلف عن قالون، وورش، وأبي عمرو، ويعقوب، وهشام، وحفص، فروي عنهم القصر، والباقون يطولونه، وأما المتصل، فاتفق جمهور القراء على مده قدرا واحدا مشبعا من غير إفحاش، وذهب آخرون إلى تفاضل مراتبه، فأطولهم مدا في نوعي المتصل والمنفصل: ورش وحمزة، ودونهما: عاصم، ودونه: ابن عامر، والكسائي وخلف لنفسه، ودونهم: قالون، والدوري عن أبي عمرو، ويعقوب، وأقلهم مدا: ابن كثير وأبو جعفر، والتفاوت بينهم لا يكاد ينضبط، والمد: هو زيادة المط في حروف المد، وهي الألف مطلقا، والواو الساكنة المضموم ما قبلها، والياء الساكنة المكسور ما قبلها، فالمتصل أن تكون الهمزة مع حرف المد في كلمة واحدة; نحو: (أولئك) و (شاء الله)، وشبهه، والمنفصل أن تكون الهمزة أول كلمة وحرف المد آخر كلمة أخرى، نحو: (بما أنزل إليك)، و (يا أيها)، و (قالوا آمنا)، ونحو ذلك، والقصر: هو ترك تلك الزيادة، وهذه الآية في المؤمنين من أهل الكتاب.

وبالآخرة هم يوقنون أي: وبالدار الآخرة، وسميتا بالآخرة; [ ص: 53 ] لتأخرها عن الدار الأولى; كما سميت الدنيا دنيا لدنوها من الخلق الأول. قرأ ورش عن نافع : (وبالآخرة) بنقل حركة الهمز إلى الساكن قبله، وترقيق الراء حيث وقع، وحمزة يسكت في لام التعريف حيث أتت، نحو (الأرض) و (الآخرة) سكتة من دون تنفس، وإذا وقف له النقل بخلاف عنه، ويسكت رويس على ذلك دون سكته. وقرأ الكسائي (وبالآخرة) بالإمالة حيث وقف على هاء التأنيث، وقيل للكسائي : إنك تميل ما قبل هاء التأنيث، فقال: هذا طباع العربية.

هم يوقنون يستيقنون أنها كائنة، من الإيقان، وهو العلم الحاصل، وهو طمأنينة القلب على حقيقة الشيء.

التالي السابق


الخدمات العلمية