الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                              معلومات الكتاب

                                                                                                                                                                                                                              سبل الهدى والرشاد في سيرة خير العباد

                                                                                                                                                                                                                              الصالحي - محمد بن يوسف الصالحي الشامي

                                                                                                                                                                                                                              صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                              ذكر إرادة بعض المنافقين الفتك برسول الله - صلى الله عليه وسلم - ليلة العقبة التي بين تبوك والمدينة وإطلاع الله تعالى نبيه - صلى الله عليه وسلم - على ذلك

                                                                                                                                                                                                                              روى الإمام أحمد عن أبي الطفيل ، والبيهقي عن حذيفة ، وابن سعد عن جبير بن مطعم - رضي الله عنهم - وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن الضحاك والبيهقي عن عروة ، والبيهقي عن ابن إسحاق . ومحمد بن عمر عن شيوخه - رحمهم الله تعالى - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لما كان ببعض الطريق مكر به ناس من المنافقين وائتمروا بينهم أن يطرحوه من عقبة في الطريق . وفي رواية كانوا قد أجمعوا أن يقتلوا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فجعلوا يلتمسون غرته ، فلما أراد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن يسلك العقبة أرادوا أن يسلكوها معه ، وقالوا : إذا أخذ في العقبة دفعناه عن راحلته في الوادي ، فأخبر الله تعالى رسوله بمكرهم ، فلما بلغ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - تلك العقبة نادى مناديه للناس : أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أخذ العقبة فلا يأخذها أحد ، واسلكوا بطن الوادي ، فإنه أسهل لكم وأوسع ، فسلك الناس بطن الوادي إلا النفر الذين مكروا برسول الله - صلى الله عليه وسلم - لما سمعوا ذلك استعدوا وتلثموا ، وسلك رسول الله - صلى الله عليه وسلم - العقبة ، وأمر عمار بن ياسر أن يأخذ بزمام الناقة ويقودها وأمر حذيفة بن اليمان أن يسوق من خلفه ، فبينا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يسير من العقبة إذ سمع حس القوم قد غشوه ، فنفروا ناقة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حتى سقط بعض متاعه وكان حمزة بن عمرو الأسلمي لحق برسول الله - صلى الله عليه وسلم - بالعقبة ، وكانت ليلة مظلمة ، قال حمزة : فنور لي في أصابعي الخمس ، فأضاءت حتى جمعت ما سقط من السوط والحبل وأشباههما ، فغضب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأمر حذيفة أن يردهم ، فرجع حذيفة إليهم ، وقد رأى غضب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ومعه محجن فجعل يضرب وجوه رواحلهم وقال : إليكم إليكم يا أعداء الله تعالى ، فعلم القوم أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قد اطلع على مكرهم ، فانحطوا من العقبة مسرعين حتى خالطوا الناس ، وأقبل حذيفة حتى أتى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال : اضرب الراحلة يا حذيفة ، وامش أنت يا عمار ، فأسرعوا حتى استوى بأعلاها ، وخرج رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من العقبة ينتظر الناس وقال لحذيفة : هل عرفت أحدا من الركب ، الذين رددتهم ؟ قال : يا رسول الله قد عرفت رواحلهم ، وكان القوم متلثمين فلم أبصرهم من أجل ظلمة الليل . قال : "هل علمتم ما كان من شأنهم وما أرادوا" ؟ قالوا : لا والله يا رسول الله . قال : "فإنهم مكروا ليسيروا معي فإذا طلعت العقبة زحموني فطرحوني منها - إن شاء الله تعالى - قد أخبرني بأسمائهم وأسماء آبائهم وسأخبركم بهم إن شاء الله تعالى" قالوا : أفلا تأمر بهم يا رسول الله إذا جاء الناس أن تضرب أعناقهم ؟ قال : أكره أن يتحدث الناس ويقولوا : إن محمدا قد وضع يده في أصحابه فسماهم لهما ثم قال : "اكتماهم" فانطلق إذا أصبحت فاجمعهم لي ، فلما أصبح رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال [ ص: 467 ]

                                                                                                                                                                                                                              له أسيد بن الحضير : يا رسول الله ، ما منعك البارحة من سلوك الوادي ؟ فقد كان أسهل من العقبة ؟ فقال : "أتدري يا أبا يحيى أتدري ما أراد بي المنافقون وما هموا به" ؟ قالوا : نتبعه من العقبة ، فإذا أظلم عليه الليل قطعوا أنساع راحلتي ونخسوها حتى يطرحوني عن راحلتي فقال أسيد : يا رسول الله ، قد اجتمع الناس ونزلوا ، فمر كل بطن أن يقتل الرجل الذي هم بهذا ، فيكون الرجل من عشيرته هو الذي يقتله ، وإن أحببت - والذي بعثك بالحق - فنبئني بأسمائهم فلا أبرح حتى آتيك برؤوسهم . قال "يا أسيد إني أكره أن يقول الناس إن محمدا قاتل بقوم حتى إذا أظهره الله تعالى بهم أقبل عليهم يقتلهم" .

                                                                                                                                                                                                                              وفي رواية "إني أكره أن يقول الناس إن محمدا لما انقضت الحرب بينه وبين المشركين وضع يده في قتل أصحابه" فقال : يا رسول الله ، فهؤلاء ليسوا بأصحاب ، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "أليس يظهرون شهادة أن لا إله إلا الله ؟ " قال : بلى [ولا شهادة لهم] قال : "أليس يظهرون أني رسول الله ؟ " قال : بلى . ولا شهادة لهم ، قال : "فقد نهيت عن قتل أولئك" .

                                                                                                                                                                                                                              وقال ابن إسحاق في رواية يونس بن بكير : فلما أصبح رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال لحذيفة :

                                                                                                                                                                                                                              "ادع عبد الله"

                                                                                                                                                                                                                              قال البيهقي : أظن ابن سعد بن أبي سرح ، وفي الأصل : عبد الله بن أبي سعد بن أبي سرح ، لم يعرف له إسلام كما نبه إليه في زاد المعاد ، قال ابن إسحاق : وأبا حاضر الأعرابي ، وعامرا وأبا عمر ، والجلاس بن سويد بن الصامت وهو الذي قال : لا ننتهي حتى نرمي محمدا من العقبة ، ولئن كان محمد وأصحابه خيرا منا إنا إذا لغنم وهو الراعي ، ولا عقل لنا وهو العاقل ، وأمره أن يدعو مجمع بن جارية ، وفليحا التيمي وهو الذي سرق طيب الكعبة وارتد عن الإسلام ، وانطلق هاربا في الأرض فلا يدرى أين ذهب ، وأمره أن يدعو حصين بن نمير الذي أغار على تمر الصدقة فسرقه ،

                                                                                                                                                                                                                              فقال له رسول الله - صلى الله عليه وسلم - "ويحك ، ما حملك على هذا ؟ " قال : حملني عليه أني ظننت أن الله تعالى لم يطلعك عليه أما إذا أطلعك عليه فإني أشهد اليوم أنك لرسول الله ، فإني لم أؤمن بك قط قبل الساعة ، فأقاله رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وعفا عنه بقوله الذي قاله ، وأمر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حذيفة أن يأتيه بطعمة بن أبيرق ، وعبد الله بن عيينة ، وهو الذي قال لأصحابه : اشهدوا هذه الليلة تسلموا الدهر كله ، فو الله ما لكم أمر دون أن تقتلوا هذا الرجل ، فدعاه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال : "ويحك ما كان ينفعك من قتلي لو أني قتلت يا عدو الله ؟ " فقال عدو الله : يا نبي الله ، والله ما تزال بخير ما أعطاك الله تعالى النصر على [ ص: 468 ] عدوك ، فإنما نحن بالله وبك فتركه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وقال لحذيفة ادع مرة بن الربيع وهو الذي ضرب بيده على عاتق عبد الله بن أبي ثم قال : تمطى ، أو قال : تمططي والنعيم كائن لنا بعده ، نقتل الواحد المفرد فيكون الناس عامة بقتله مطمئنين ، فدعاه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال :

                                                                                                                                                                                                                              "ويحك ، ما حملك على أن تقول الذي قلت ؟ " فقال : يا رسول الله إن كنت قلت شيئا من ذلك فإنك العالم به ، وما قلت شيئا من ذلك .

                                                                                                                                                                                                                              فجمعهم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وهم اثنا عشر رجلا الذين حاربوا الله تعالى ورسوله ، وأرادوا قتله ، فأخبرهم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بقولهم ومنطقهم وسرهم وعلانيتهم ، وأطلع الله نبيه - صلى الله عليه وسلم - على ذلك يعلمه ، وذلك قوله عز وجل : وهموا بما لم ينالوا [التوبة 74] ومات الاثنا عشر منافقين محاربين الله تعالى ورسوله .

                                                                                                                                                                                                                              قال حذيفة - كما رواه البيهقي : ودعا عليهم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال : "اللهم ارمهم بالدبيلة" قلنا : يا رسول الله . وما الدبيلة ؟ قال : "شهاب من نار يقع على نياط قلب أحدهم فيهلك" .

                                                                                                                                                                                                                              وروى مسلم عنه : أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال : في أصحابي اثنا عشر رجلا منافقا لا يدخلون الجنة حتى يلج الجمل في سم الخياط ، ثمانية يكفيهم الدبيلة ، سراج من نار يظهر بين أكتافهم حتى ينجم من صدورهم .

                                                                                                                                                                                                                              قال البيهقي : وروينا عن حذيفة - رضي الله عنه - أنهم كانوا أربعة عشر - أو خمسة عشر .

                                                                                                                                                                                                                              التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                              الخدمات العلمية