الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                          صفحة جزء
                                                          ( نسي ) النون والسين والياء أصلان صحيحان : يدل أحدهما على إغفال الشيء ، والثاني على ترك شيء .

                                                          فالأول نسيت الشيء ، إذا لم تذكره ، نسيانا . وممكن أن يكون النسي منه . والنسي : ما سقط من منازل المرتحلين ، من رذال أمتعتهم ، فيقولون : تتبعوا أنساءكم . قال الشنفرى :

                                                          [ ص: 422 ]

                                                          كأن لها في الأرض نسيا تقصه على أمها وإن تكلمك تبلت

                                                          وعلى ذلك يفسر قوله تعالى : نسوا الله فنسيهم ، وكذلك قوله سبحانه : ولقد عهدنا إلى آدم من قبل فنسي ولم نجد له عزما ، أراد والله أعلم : فترك العهد . ومما شذ عن الأصلين النسا : عرق ، والجمع أنساء ، والاثنان نسيان ويقولون : هو النسا ، وهو عرق النسا ، كل ذلك يقال . قال :


                                                          فأحذيته لما أتاني بقربة     كعرق النسا لم يعط بطنا ولا ظهرا

                                                          وقال بعضهم : الأصل في الباب النسيان ، وهو عزوب الشيء عن النفس بعد حضوره لها . والنسا : عرق في الفخذ ، لأنه متأخر عن أعالي البدن إلى الفخذ ، مشبه بالمنسي الذي أخر وترك .

                                                          وإذا همز تغير المعنى إلى تأخير الشيء . ونسئت المرأة : تأخر حيضها عن وقته فرجي أنها حبلى . والنسيئة : بيعك الشيء نساء ، وهو التأخير . تقول : أنسأت . ونسأ الله في أجلك وأنسأ أجلك : أخره وأبعده . وانتسؤوا ، تأخروا وتباعدوا . ونسأتهم أنا : أخرتهم . ونسأت ناقتي ، قال قوم : رفقت بها في السير . ونسأتها : ضربتها بالمنسأة : العصا . وهذا أقيس ، لأن العصا كأنه يبعد بها الشيء ويدفع .

                                                          [ ص: 423 ] والنسء : ما نبت من وبر الناقة بعد تساقط وبرها . والقياس واحد . كأن هذا الثاني تأخر . قال أبو زيد : نسأت الإبل في ظمئها ، إذا زدتها في ظمئها يوما أو يومين . والنسيء في كتاب الله : التأخير ، كانوا إذا صدروا عن منى يقوم رجل من كنانة فيقول : أنا الذي لا يرد لي قضاء . فيقولون : أنسئنا شهرا ، أي أخر عنا حرمة المحرم فاجعلها في صفر . وذلك أنهم كانوا يكرهون أن يتوالى عليهم ثلاثة أشهر لا يغيرون فيها ، لأن معاشهم كان من الإغارة ، فأحل لهم المحرم . فقال الله تعالى : إنما النسيء زيادة في الكفر . ومما شذ عن الباب النسء : بدء السمن في الدواب . قال أبو ذؤيب :


                                                          بها أبلت شهري ربيع كليهما     فقد مار فيها نسؤها واقترارها

                                                          والنسيء : الحليب يصب عليه الماء . تقول منه : نسأت ، وهو النسء أيضا في شعر عروة :


                                                          سقوني النسء ثم تكنفوني     عداة الله من كذب وزور

                                                          .

                                                          التالي السابق


                                                          الخدمات العلمية