الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                        صفحة جزء
                                        أخبرنا أبو عبد الله الحافظ، قال: حدثنا أبو بكر أحمد بن كامل القاضي، قال: حدثنا محمد بن سعد العوفي، قال: حدثنا روح بن عبادة القيسي (ح) وأخبرنا أبو عبد الله، قال: حدثنا أبو جعفر محمد بن صالح بن هانئ، قال: حدثنا الحسين بن الفضل البجلي، قال: حدثنا هوذة بن خليفة قالا: حدثنا عوف بن أبي جميلة، قال: حدثنا يزيد بن الرقاشي قال: قال لنا ابن عباس: قلت لعثمان بن عفان: ما حملكم على أن عمدتم، إلى الأنفال وهي من المثاني , وإلى براءة وهي من المئين، فقرنتم بينهما، ولم تكتبوا بينهما سطر بسم الله الرحمن الرحيم ووضعتموها في السبع الطوال.

                                        ما حملكم على ذلك [ ص: 153 ] فقال عثمان: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يأتي عليه الزمان تنزل عليه السور ذوات عدد، فكان إذا نزل عليه الشيء، يدعو بعض من كان يكتبه فيقول: "ضعوا هذه في السورة التي يذكر فيها كذا وكذا" .

                                        وتنزل عليه الآية فيقول: "ضعوا هذه في السورة التي يذكر فيها كذا وكذا" .

                                        فكانت الأنفال من أوائل ما أنزل بالمدينة، وبراءة من آخر القرآن، وكانت قصتها شبيهة بقصتها، فقبض رسول الله صلى الله عليه وسلم ولم يبين لنا أنها منها، فظننا أنها منها، فمن ثم قرنت بينهما، ولم أكتب بينهما سطر بسم الله الرحمن الرحيم
                                        [ ص: 154 ] لفظ حديث هوذة، وحديث روح قريب منه قلت: ويشبه أن يكون النبي صلى الله عليه وسلم إنما لم يجمعه في مصحف وآخر؛ لأنه كان لا يأمن ورود النسخ على أحكامه ورسومه , فلما ختم الله عز وجل دينه بوفاة نبيه صلى الله عليه وسلم , وكان قد وعد له حفظه بقوله عز وجل: إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون وفق خلفاءه لجمعه عند الحاجة إليه بين الدفتين وحفظه كما وعده، والذي روي عن ابن مسعود في المعوذتين إنما هو في إثبات رسمهما لا أنه خالف غيره في نزولهما.

                                        والذي روي عنه عن أبي بن كعب في اختلاف القراءة، فإنما هي القراءة [ ص: 155 ] الأولى، وكأنهما فيما خالفا فيه لم يشهد النسخ وقد قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه: " علي أقضانا، وأبي بن كعب أقرأنا، وإنا لندع كثيرا مما يقول أبي، وأبي يقول: أخذته من في رسول الله صلى الله عليه وسلم فلن أدعه لشيء، والله عز وجل يقول: ما ننسخ من آية أو ننسها نأت بخير منها أو مثلها " أخبرناه أبو زكريا بن أبي إسحاق المزكي قال: أخبرنا أبو أحمد حمزة بن العباس، قال: حدثنا أحمد بن الوليد الفحام، قال: حدثنا أبو أحمد الزبيري، قال: حدثنا سفيان، عن حبيب بن أبي ثابت، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس، عن عمر، رضي الله عنه فذكره أخرجه البخاري من حديث الثوري.

                                        وروينا عن عائشة عن فاطمة، عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه أسر إليها فقال: "إن جبريل عليه السلام كان يعارضني بالقرآن كل عام مرة، وإنه عارضني به العام مرتين، ولا أرى أجلي إلا قد حضر" أخبرنا أبو عبد الله الحافظ، قال: حدثنا أبو عبد الله بن يعقوب، قال: حدثنا علي بن الحسن، قال: حدثنا أبو نعيم، قال: حدثنا زكريا بن أبي زائدة، عن فراس، عن الشعبي، عن مسروق، عن عائشة، فذكره أخرجاه في الصحيح كما مضى.

                                        وروينا عن عبيدة السلماني أنه قال: "القراءة التي عرضت على رسول الله صلى الله عليه وسلم في العام الذي قبض فيه، هذه القراءة التي يقرأها الناس" أخبرناه محمد بن موسى بن الفضل، قال: حدثنا أبو العباس الأصم، [ ص: 156 ] قال: حدثنا أحمد بن عبد الحميد، قال: حدثنا حسين الجعفي، عن سفيان بن عيينة، عن ابن جدعان، عن ابن سيرين، عن عبيدة، فذكره قلت: ولم يختلف أهل العلم في نزول بسم الله الرحمن الرحيم قرآنا وإنما اختلفوا في عدد النزول.

                                        وفي إثبات الصحابة رسمها، حيث كتبوها في مصاحفهم دلالة على صحة قول من ادعى نزولها حيث كتبت , والله أعلم.

                                        وقد روينا في كتاب المدخل ما يؤكد ما ذكرنا في جمع القرآن، وبالله التوفيق.

                                        وذكرنا فيه أيضا وجوه النسخ، وهو أن من القرآن ما نسخ حكمه، وبقي رسمه، وذكرنا مثال هذين، ومنه ما نسخ رسمه وحكمه [ ص: 157 ] وفي مثل ذلك ورد ما روينا عن أبي موسى الأشعري أنه قال: " كنا نقرأ سورة كنا نشبهها في الطول والشدة ببراءة فأنسيتها غير أني حفظت منها: لو كان لابن آدم واديان من مال لابتغى واديا ثالثا، ولا يملأ جوف ابن آدم إلا التراب، وكنا نقرأ سورة نشبهها بإحدى المسبحات فأنسيتها، غير أني قد حفظت منها: يا أيها الذين آمنوا لا تقولوا ما لا تفعلون فتكتب شهادة في أعناقكم، فتسألون عنها يوم القيامة " أخبرناه أبو عبد الله الحافظ قال: أخبرنا أبو عبد الله محمد بن يعقوب، قال: حدثنا محمد بن النضر الجارودي، قال: حدثنا سويد بن سعيد، قال: حدثنا علي بن مسهر، عن داود بن أبي هند، عن أبي حرب بن أبي الأسود، عن أبيه، عن أبي موسى، فذكره.

                                        رواه مسلم عن سويد بن سعيد.

                                        وفي مثل ذلك ورد ما في الحديث الذي أخبرناه أبو نصر عمر بن عبد العزيز بن عمر بن قتادة , أخبرناه أبو محمد أحمد بن إسحاق بن البغدادي بهراة، قال: حدثنا علي بن محمد بن عيسى، قال: حدثنا أبو اليمان قال: أخبرنا شعيب عن الزهري قال: أخبرنا أبو أمامة أن رهطا من الأنصار من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم أخبروه أن رجلا قام من جوف الليل يريد أن يفتتح سورة قد كان وعاها، فلم يقدر منها على شيء إلا بسم الله الرحمن الرحيم فأتى باب رسول الله صلى الله عليه وسلم حين أصبح ليسأل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن ذلك.

                                        ثم جاء آخر وآخر، حتى اجتمعوا فسأل بعضهم بعضا ما جمعهم، فأخبر بعضهم بعضا بشأن تلك السورة، ثم أذن لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأخبروه خبرهم، وسألوه عن السورة فسكت ساعة لا يرجع إليهم شيئا ثم قال: "نسخت البارحة، فنسخت من صدورهم ومن كل شيء كانت فيه"
                                        قلت: ورواه عقيل عن ابن شهاب , عن أبي أمامة بن سهل بن حنيف قال: وابن المسيب جالس لا ينكر ذلك وفي هذا دلالة ظاهرة من دلالات النبوة وأما ما لم ينسخ رسمه فإنه بقي بحمد الله ونعمته محفوظا إلى [ ص: 158 ] الآن، ويبقى ما بقي الدهر كذلك محفوظا حتى يأتي أمر الله لا تجري عليه زيادة ولا نقصان , كما قال الله عز وجل لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه تنزيل من حكيم حميد .

                                        التالي السابق


                                        الخدمات العلمية