الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                        صفحة جزء
                                        [ ص: 36 ] باب ما روي في رؤيا ابن زمل الجهني وفى إسناده ضعف

                                        أخبرنا أبو نصر عمر بن عبد العزيز بن عمر بن قتادة، أخبرنا أبو عمر بن مطر، أخبرنا جعفر بن محمد بن الحسن بن المستفاض الفريابي قال: حدثني أبو وهب الوليد بن عبد الملك بن عبد الله بن مسرح الجراني، حدثنا سليمان بن عطاء القرشي الحراني، عن مسلمة بن عبد الله الجهني، عن [ ص: 37 ] عمه أبي مشجعة بن ربعي، عن ابن زمل الجهني قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا صلى الصبح قال - وهو ثان رجليه - : سبحان الله وبحمده، وأستغفر الله إن الله كان توابا سبعين مرة، ثم يقول: "سبعين بسبعمائة لا خير لمن كانت ذنوبه في يوم واحد أكثر من سبعمائة" ثم يقول ذلك مرتين، ثم يستقبل الناس بوجهه وكان تعجبه الرؤيا، ثم يقول: "هل رأى أحد منكم شيئا" ؟ قال ابن زمل: فقلت: أنا يا نبي الله قال: "خير تلقاه وشر توقاه، وخير لنا وشر على أعدائنا، والحمد لله رب العالمين اقصص رؤياك" .

                                        فقلت: رأيت جميع الناس على طريق رحب سهل لاحب , والناس على الجادة منطلقين , فبينا هم كذلك إذ أشفى ذلك الطريق على مرج لم تر عيني مثله يرف رفيفا يقطر ماؤه من أنواع الكلإ.

                                        قال: فكأني بالرعلة الأولى حين أشفوا على المرج كبروا ثم أكبوا رواحلهم في الطريق فلم يظلموه يمينا ولا شمالا.

                                        قال: " فكأني أنظر إليهم منطلقين، ثم جاءت الرعلة الثانية وهم أكثر منهم أضعافا فلما أشفوا على المرج كبروا ثم أكبوا رواحلهم في الطريق منهم المرتع , ومنهم الآخذ الضغث ومضوا على ذلك.

                                        قال: ثم قدم عظم الناس، فلما أشفوا على المرج كبروا وقالوا: هذا خير المنزل , فكأني أنظر إليهم يميلون يمينا وشمالا، فلما رأيت ذلك لزمت الطريق حتى أتي أقصى المرج فإذا أنا بك يا رسول الله على منبر فيه سبع درجات , وأنت في أعلاها درجة , وإذ عن يمينك رجل آدم شثل أقنى، إذا هو تكلم يسمو فيفرع الرجال طولا , وإذا عن يساره رجل [ ص: 38 ] ربعة تار أحمر كثير خيلان الوجه كأنما حمم شعره بالماء , إذا هو تكلم أصغيتم له إكراما له , وإذا أمامكم رجل شيخ أشبه الناس بك خلقا ووجها , كلكم تؤمونه تريدونه وإذا أمام ذلك ناقة عجفاء شارف , وإذا أنت يا رسول الله كأنك تبعثها.

                                        قال: فانتقع لون رسول الله صلى الله عليه وسلم ساعة، ثم سري عنه فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أما ما رأيت من الطريق السهل الرحب اللاحب فذاك ما حملتكم عليه من الهدى، وأنتم عليه، وأما المرج الذي رأيت فالدنيا وغضارة عيشها , مضيت أنا وأصحابي لم نتعلق منها ولم تتعلق منا، ولم نردها، ولم تردنا , ثم جاءت الرعلة الثانية من بعدنا وهم أكثر منا أضعافا فمنهم المرتع , ومنهم الآخذ الضغث ولجوا على ذلك , ثم جاء عظم الناس فمالوا في المرج يمينا وشمالا , فإنا لله وإنا إليه راجعون، وأما أنت فمضيت على طريقة صالحة , فلن تزال عليها حتى تلقاني , وأما المنبر الذي فيه سبع درجات وأنا في أعلاها درجة فالدنيا سبعة آلاف سنة أنا في آخرها ألفا , وأما الرجل الذي رأيت على يميني الآدم الشثل فذلك موسى عليه السلام إذا تكلم يعلو الرجال بفضل كلام الله إياه , والذي رأيت من التار الربعة الكثير خيلان الوجه , كأنما حمم شعره بالماء , فذاك عيسى ابن مريم نكرمه لإكرام الله إياه , وأما الشيخ الذي رأيت أشبه الناس بي خلقا ووجها فذلك أبونا إبراهيم كلنا نؤمه ونقتدي به , وأما الناقة التي رأيت ورأيتني أبعثها فهي الساعة علينا تقوم لا نبي بعدي ولا أمة بعد أمتي" قال: فما سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن رؤيا بعد هذا إلا أن يجيء الرجل فيحدثه بها متبرعا.


                                        التالي السابق


                                        الخدمات العلمية