الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                        صفحة جزء
                                        أخبرنا أبو الحسين بن الفضل القطان قال: أخبرنا عبد الله بن جعفر، قال: حدثنا يعقوب بن سفيان، قال: حدثنا إبراهيم بن المنذر، قال: حدثنا محمد بن فليح، عن موسى بن عقبة قال: قال ابن شهاب: (ح) وأخبرنا أبو الحسين بن الفضل قال: أخبرنا أبو بكر محمد بن عبد الله بن أحمد بن عتاب العبدي، قال: حدثنا القاسم بن عبد الله بن المغيرة، قال: حدثنا إسماعيل بن أويس، قال: حدثنا إسماعيل بن إبراهيم بن عقبة، عن عمه موسى بن عقبة قال: [ ص: 199 ] قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة - يعني من حجة الوداع - ، فعاش بالمدينة حين قدمها بعد صدرة المحرم واشتكى في صفر فوعك أشد الوعك واجتمع إليه نساؤه كلهن يمرضنه، وقال نساؤه: يا رسول الله إنه ليأخذك وعك ما وجدنا مثله على أحد قط غيرك فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "كما يعظم لنا الأجر كذلك يشتد علينا البلاء" واشتد عليه الوعك أياما وهو في ذلك ينحاز إلى الصلوات حتى غلب فجاءه المؤذن فأذنه بالصلاة فنهض فلم يستطع من الضعف، ونساؤه حوله، فقال للمؤذن: "اذهب إلى أبي بكر فأمره فليصل" ، فقالت عائشة: يا رسول الله إن أبا بكر رجل رقيق وإنه إن أقام في مقامك بكى، فأمر عمر بن الخطاب فليصل بالناس فقال: "مروا أبا بكر فليصل بالناس" ، قالت: فعدت فقال: "مروا أبا بكر فليصل بالناس، إنكن صواحب يوسف" ، قالت: فصمت عنه، فلم يزل أبو بكر يصلي بالناس حتى كانت ليلة الإثنين من شهر ربيع الأول فأقلع عن رسول الله صلى الله عليه وسلم الوعك فأصبح مفيقا فغدا إلى صلاة الصبح يتوكأ على الفضل بن عباس وغلام له يدعى: نوبا، ورسول الله صلى الله عليه وسلم بينهما، وقد سجد الناس مع أبي بكر من صلاة الصبح وهو قائم في الأخرى فتخلص رسول الله صلى الله عليه وسلم الصفوف يفرجون له حتى قام إلى جنب أبي بكر، فاستأخر أبو بكر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم بثوبه فقدمه في مصلاه فصفا جميعا، ورسول الله صلى الله عليه وسلم جالس وأبو بكر قائم يقرأ القرآن فلما قضى أبو بكر قرآنه قام رسول الله صلى الله عليه وسلم فركع معه الركعة الآخرة ثم جلس أبو بكر حين قضى سجوده يتشهد، والناس جلوس فلما سلم أتم رسول الله صلى الله عليه وسلم الركعة الآخرة ثم انصرف إلى جذع من جذوع المسجد، والمسجد يومئذ سقفه من جريد [ ص: 200 ] وخوص ليس على السقف كثير طين إذا كان المطر امتلأ المسجد طينا إنما هو كهيئة العريش.

                                        وكان أسامة بن زيد قد تجهز للغزو وخرج في نقله إلى الجرف فأقام تلك الأيام بشكوى رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم قد أمره على جيش عامته المهاجرون فيهم عمر بن الخطاب وأمره رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يغير على مؤتة وعلى جانب فلسطين حيث أصيب زيد بن حارثة، وجعفر بن أبي طالب، وعبد الله بن رواحة، فجلس رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى ذلك الجذع واجتمع إليه المسلمون يسلمون عليه ويدعون له بالعافية ودعا رسول الله صلى الله عليه وسلم أسامة بن زيد فقال: "اغد على بركة الله والنصر والعافية، ثم أغر حيث أمرتك أن تغير" ، قال أسامة: يا رسول الله قد أصبحت مفيقا وأرجو أن يكون الله عز وجل قد عافاك، فأذن لي فأمكث حتى يشفيك الله فإني إن خرجت وأنت على هذه الحال خرجت وفي نفسي منك قرحة وأكره أن أسأل عنك الناس فسكت عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقام فدخل بيت عائشة، ودخل أبو بكر على ابنته عائشة فقال: قد أصبح رسول الله صلى الله عليه وسلم مفيقا وأرجو أن يكون الله عز وجل قد شفاه ثم ركب فلحق بأهله بالسنح، وهنالك كانت امرأته حبيبة بنت خارجة بن أبي زهير أخي بني الحارث بن الخزرج، وانقلبت كل امرأة من نساء رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى بيتها وذلك يوم الاثنين ووعك رسول الله صلى الله عليه وسلم حين رجع أشد الوعك واجتمع إليه نساؤه وأخذ بالموت فلم يزل كذلك حتى زاغت الشمس من يوم الاثنين يغمى، زعموا عليه الساعة ثم يفيق، ثم يشخص بصره إلى السماء فيقول: " في الرفيق الأعلى مع الذين أنعم الله عليهم من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين وحسن أولئك رفيقا قال ذلك - زعموا مرارا - كلما أفاق من غشيته فظن النسوة أن الملك خيره في الدنيا ويعطى [ ص: 201 ] فيها ما أحب، وبين الجنة فيختار رسول الله صلى الله عليه وسلم الجنة وما عند الله من حسن الثواب.

                                        واشتد برسول الله صلى الله عليه وسلم الوجع فأرسلت فاطمة إلى علي بن أبي طالب وأرسلت حفصة إلى عمر بن الخطاب وأرسلت كل امرأة إلى حميمها فلم يرجعوا حتى توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم على صدر عائشة في يومها يوم الاثنين حين زاغت الشمس لهلال شهر ربيع الأول صلى الله عليه وسلم.


                                        وأخبرنا أبو عبد الله الحافظ قال: أخبرنا أبو جعفر البغدادي قال: أخبرنا محمد بن عمرو بن خالد، قال: حدثنا أبي، قال: حدثنا ابن لهيعة، قال: حدثنا أبو الأسود عن عروة قال: صدر رسول الله صلى الله عليه وسلم عن حجة التمام، فقدم المدينة، فاشتكى في صفر، ووعك أشد الوعك، فذكر معنى ما روينا عن موسى بن عقبة.

                                        التالي السابق


                                        الخدمات العلمية