الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                        صفحة جزء
                                        [ ص: 183 ] أخبرنا أبو عبد الله الحافظ قال: أخبرنا أبو عبد الله محمد بن علي الصنعاني، قال: حدثنا إسحاق بن إبراهيم بن عباد قال: أخبرنا عبد الرزاق، أخبرنا معمر، عن الزهري، عن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة، عن ابن عباس قال: لما حضر رسول الله صلى الله عليه وسلم، وفي البيت رجال فيهم عمر بن الخطاب فقال النبي صلى الله عليه وسلم: "هلموا أكتب لكم كتابا لن تضلوا بعده أبدا" فقال عمر: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد غلب عليه الوجع وعندكم القرآن، حسبنا كتاب [ ص: 184 ] الله، فاختلف أهل البيت واختصموا، فمنهم من يقول: قربوا يكتب لكم رسول الله صلى الله عليه وسلم، ومنهم من يقول ما قال عمر.

                                        فلما أكثروا اللغو والاختلاف عند رسول الله صلى الله عليه وسلم قال النبي صلى الله عليه وسلم: "قوموا" قال عبد الله: فكان ابن عباس يقول: إن الرزية، كل الرزية ما حال بين رسول الله صلى الله عليه وسلم وبين أن يكتب لهم ذلك الكتاب لاختلافهم ولغطهم
                                        رواه البخاري في الصحيح عن علي بن المديني وغيره، ورواه مسلم عن محمد بن رافع وغيره , عن عبد الرزاق وإنما قصد عمر بن الخطاب رضي الله عنه بما قال التخفيف على رسول الله صلى الله عليه وسلم حين رآه، قد غلب عليه الوجع، ولو كان ما يريد النبي صلى الله عليه وسلم أن يكتب لهم شيئا مفروضا، لا يستغنون عنه لم يتركه باختلافهم ولغطهم لقول الله عز وجل بلغ ما أنزل إليك من ربك كما لم يترك تبليغ غيره بمخالفة من خالفه، ومعاداة من عاداه، وإنما أراد ما حكى سفيان بن عيينة عن أهل العلم قبله، أن يكتب استخلاف أبي بكر ثم ترك كتابته اعتمادا على ما علم من تقدير الله تعالى، ذلك كما هم به في ابتداء مرضه حين قال: وارأساه، ثم بدا له أن لا يكتب وقال: يأبى الله والمؤمنون إلا أبا بكر، ثم نبه أمته على خلافته، باستخلافه إياه في الصلاة حين عجز عن حضورها، وإن كان المراد به [ ص: 185 ] رفع الخلاف في الدين، فإن عمر بن الخطاب رضي الله عنه علم أن الله تعالى قد أكمل دينه بقوله: اليوم أكملت لكم دينكم.

                                        .

                                        وعلم أنه لا تحدث واقعة إلى يوم القيامة إلا وفي كتاب الله تعالى وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم بيانها نصا أو دلالة.

                                        وفي نص رسول الله صلى الله عليه وسلم على جميع ذلك في مرض موته مع شدة وعكه مما يشق عليه، فرأى عمر بن الخطاب رضي الله عنه الاقتصار على ما سبق بيانه نصا أو دلالة تخفيفا على رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولكي لا تزول فضيلة أهل العلم بالاجتهاد في الاستنباط، وإلحاق الفروع بالأصول، بما دل الكتاب والسنة عليه.

                                        وفيما سبق من قوله صلى الله عليه وسلم "إذا اجتهد الحاكم فأصاب، فله أجران.

                                        وإذا اجهتد فأخطأ، فله أجر واحد"
                                        دليل على أنه وكل بيان بعض الأحكام إلى اجتهاد العلماء، وأنه أحرز من أصاب منهم الأجرين الموعودين، أحدهما بالاجتهاد، والآخر بإصابة العين المطلوبة بما عليها من الدلالة في الكتاب أو السنة، وإنه أحرز من اجتهد فأخطأ أجرا واحدا باجتهاده، ورفع إثم الخطأ عنه، وذلك في أحكام الشريعة التي لم يأت بيانها نصا وإنما ورد خفيا.

                                        فأما مسائل الأصول، فقد ورد بيانها جليا، فلا عذر لمن خالف بيانه لما فيه من فضيلة العلماء بالاجتهاد، وإلحاق الفروع بالأصول بالدلالة، مع طلب التخفيف على صاحب الشريعة، وفي ترك رسول الله صلى الله عليه وسلم الإنكار عليه فيما قال دليل واضح على استصوابه رأيه، وبالله التوفيق.

                                        التالي السابق


                                        الخدمات العلمية