الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
" حديث ابن العابد الذي ارتد ثم عاد إلى الإسلام "

[ 6710 ] أخبرنا أبو عبد الله محمد بن عبد الله الحافظ ، وأبو سعيد محمد بن موسى بن الفضل قالا : حدثنا أبو العباس محمد بن يعقوب ، حدثنا يحيى بن أبي طالب ، أخبرنا علي بن عاصم ، حدثنا داود بن أبي هند ، عن عبد الله بن عبيد بن عمير ، عن سعيد بن جبير ، عن ابن عباس قال : كان في بني إسرائيل رجل عابد وكان معتزلا في كهف له ، قال : فكان بنو إسرائيل ، قد أعجبوا بعبادته ، فبينا هم عند نبيهم عليه السلام إذ ذكروه فأثنوا عليه ، فقال النبي عليه السلام : إنه لكما تقولون لولا أنه تارك لشيء من السنة ، قال : فنقل ذلك إلى العابد قال : ففكر العابد فقال : علام أؤدب نفسي وأتعبها ؟ أصوم النهار ، وأقوم الليل ، وأنا تارك لشيء من السنة ، قال : فهبط من مكانه ، قال : وأتى النبي عليه السلام والناس عنده ، فسلم عليه ، فرد عليه النبي والنبي لا يعرفه بوجهه ، ويعرفه باسمه ، فقال : يا نبي الله إنه بلغني أني ذكرت عندك بخير فقلت : إنه لكما تقولون لولا أنه تارك لشيء من السنة ، فإن كنت تاركا لشيء من السنة فعلام أؤدب نفسي ؟ أصوم النهار وأقوم الليل ، فقال له النبي عليه السلام : أنت فلان ؟ قال : نعم ، قال : ما هو بشيء أحدثته في الإسلام إلا أنك لا تزوج ، فقال له العابد : وما هو إلا هذا ؟ قال : لا ، قال : فكأن العابد استخف بذلك فلما رأى النبي عليه السلام ذلك ، قال : أرأيت لو فعل الناس ما فعلت من أين كان يكون هذا النسل من كان ينفي العدو عن ذراري المسلمين ؟ من كان يأمر بالمعروف ، وينهى عن المنكر ، من كان يجمع في المسلمين ؟ قال : فعرف العابد قال : فقال : يا نبي الله هو كما قلت ، ما بي أن أكون أحرمه ، ولكني أخبرك عني أنا رجل فقير ، وأنا كل عن الناس وهم يطعمونني ويكسونني ليس لي مال ، فأنا أكره أن أتزوج امرأة مسلمة أعضلها وليس عندي ما أنفق عليها ، وأما الأغنياء فلا يزوجونني ، قال : فقال النبي عليه السلام : [ ما بك إلا ذاك ؟ قال : نعم ، قال النبي عليه السلام ] : فأنا أزوجك ابنتي ، قال : وتفعل ؟ قال : نعم ، [ ص: 322 ] قال : قبلت ، فزوجه ابنته ، قال : فدخل بها فولدت له غلاما ، قال ابن عباس : فوالله ما ولد في بني إسرائيل مولود كانوا أشد فرحا به منهم بذاك الغلام ، قالوا : ابن عابدنا وابن نبينا إنا نرجو أن يبلغ الله به ما بلغ رجل منا ، قال : فلما بلغ الغلام انقطع إلى عبدة الأوثان ، قال : فتبعه فئام منهم كثير ، قال : فلما رأى كثرتهم ، قال لهم : إني أراكم كثيرا ، وإن هؤلاء القوم غالبون لكم فيم ذاك ؟ قالوا نخبرك لهم رأس وليس لنا رأس ، قال : ومن رأسهم ؟ قالوا : جدك ، وليس لنا رأس ، قال : فأنا رأسكم ، قالوا : تفعل ؟ قال : نعم ، قال : فخرج وخرج معه خلق كثير ، قال : فأرسل جده وأبوه أن اتق الله خرجت علينا بعبدة الأوثان ، وتركت الإسلام ، وأخذت في دين غيره ، فأبى ، فخرج النبي صلى الله عليه وسلم وخرج معه أبوه فدعوه ، فأبى ، فاقتتلوا حتى حجز بينهم الليل ، ثم اقتتلوا اليوم الثاني ، حتى حجز الليل بينهم ، فقتل النبي وقتل أبوه وانهزم المسلمون ، وضبط الأرض واستوسق له الناس ، قال : فلما رأى ذلك اجتمع المسلمون ، فقالوا : قد خلينا له عن الملك وهو يتبعنا ، ويقتلنا وانهزمنا عن نبينا وعابدنا حتى قتلا ، وليس يدعنا أو يقتلنا فتعالوا نتوب إلى الله توبة نصوحا ، فنقتل ونحن تائبون فتابوا إلى الله وولوا رجلا منهم أمرهم فخرجوا إليه ، فاقتتلوا أول يوم حتى حجز بينهم الليل ، ثم غدوا فاقتتلوا حتى حجز بينهم الليل وكثرت القتلى بينهم ، وغدوا اليوم الثالث فاقتتلوا فلما علم الله منهم الصدق وأنهم قد تابوا تاب الله عليهم ، وأقبلت الريح لهم ، فقال لهم صاحبهم : إني لأرجو أن يكون الله قد تاب علينا ، وقبل منا ، إني أرى الريح قد أقبلت معنا ، فإن نصرنا الله فإن استطعتم أن تأخذوه سلما فلا تقتلوه ، قال : فأنزل الله عليهم النصر من آخر النهار فهزموهم ، وأخذوه أسيرا ومكن الله المسلمين في الأرض ، وظهر الإسلام ، قال : فجمع رأس المسلمين خيار الناس ، فقال : ما ترون في هذا بدل دينه ، ودخل مع عبدة الأوثان في دينهم ، وقتل نبينا جده ، وقتل أباه ؟ فقائل يقول : أحرقه بالنار يموت فيذهب ، وقائل يقول : قطعه ، قال : فقال : إنه يموت فيذهب ، قالوا : فأنت أعلم اصنع به ما شئت ، قال : فإني أرى أن أصلبه حيا ثم أدعه حتى يموت ، قالوا : افعل ذلك ، قال : ففعل ذلك به صلبه حيا ، وجعل عليه الحرس ولم [ ص: 323 ] يقتله ، وجعلوا لا يطعمونه ولا يسقونه ، فمكث أول يوم والثاني والثالث ، فلما كان في جوف الليل جهد الرجل إلى أوثانه التي كان يعبد من دون الله ، فجعل يدعو صنما صنما منها ، فإذا رآه لا يجيبه تركه ، ودعا آخر ، حتى دعاها كلها فلم تجبه قال : وجهد فقال : اللهم إني قد جهدت وقد دعوت الآلهة التي كنت أدعو من دونك فلم تجبني ، ولو كان عندها خير لأجابتني ، وأنا تائب إليك رب جدي وأبي فخلصني مما أنا فيه ، فإني قد تبت إليك وأنا من المسلمين ، فتحلل عنه عقده فإذا هو بالأرض ، فأخذ فأتي به صاحبهم ، فقال : ما ترون فيه ؟ فقالوا : ما نرى فيه الله يخلى عنه ، وتسألنا ما نرى فيه قال : صدقتم ، قال : فخلوا عنه ، قال : فقال ابن عباس : فوالله ما كان في بني إسرائيل بعد رجل خيرا منه .

التالي السابق


الخدمات العلمية