الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
[ 6967 ] أخبرنا أبو الحسين بن بشران ، أخبرنا أبو جعفر الرزاز ، حدثنا محمد بن إسماعيل السلمي ، حدثنا أبو صالح ، حدثنا معاوية بن صالح ، عن أبي يحيى سليم بن [ ص: 462 ] عامر أنه سمع أبا أمامة يقول سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول في حجة الوداع وهو على الجدعاء ، وقد جعل رجليه في غرز الركاب يتطاول ليسمع الناس ، فقال : " ألا تسمعون " ؟ يطول في صوته قال : فقال قائل من طوائف الناس : بما تعهد إلينا ؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم " اعبدوا ربكم ، وصلوا خمسكم ، وصوموا شهركم ، وأدوا زكاة أموالكم ، وأطيعوا ذا أمركم ، تدخلوا جنة ربكم " .

قال أبو يحيى : فقلت : يا أبا أمامة مثل من أنت يومئذ ؟ قال : أنا يومئذ ابن ثلاثين سنة أزاحم البعير حتى أزحزحه قدما إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم .

قال الإمام أحمد : والأصل في هذا الباب أن طاعة الله تعالى ، لما كانت واجبة كانت طاعة من يملكهم شيئا من أمور عباده واجبة ، وهم الرسل صلوات الله عليهم [ فإذا وجبت طاعة الرسول لهذا المعنى وجبت طاعة من يملكه الرسول شيئا ] مما ملكه الله تعالى فبأي اسم دعي فقيل له خليفة أو أمير أو قاض أو مصدق أو من كان وأي واحد من هؤلاء وجبت طاعته كان عامله أو من يملكه شيئا مما يملكه لقيام كل واحد من هؤلاء فيما صار إليه من الأمر منزلة الذي فوقه إلى أن ينتهي الأمر إلى من له الخلق والأمر ، وليس فوقه أحد ، وهو الله رب العالمين ، وهذه في حياة رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فأما إذا توفاه الله إلى كرامته من غير نص على إمامة أحد من بعده ، وجب على أهل النظر من أمته أن يتحروا إماما يقوم فيهم مقامه ، ويمضي فيهم أحكامه ؛ لأن منزلتهم جميعا إذا مات عن غير خليفة له فيهم كمنزلة من ناب داره عنه في حياته ، فلما كانت سنته في أهل البلاد القاصية أيام حياته أن يؤمر عليهم أميرا أو ينفذ إليهم قاضيا ، فإن لم يفعل أمروا عليهم أميرا ، دل ذلك على أن حق الجماعة بعد وفاته ، لا عن أحد استخلفه عليهم أن يكون لهم فيما بينهم من يقوم مقامه وينفذ أحكامه ، وبسط الكلام فيه .

واستدل غيره من أصحابنا في وجوب نصب الإمام شرعا بإجماع الصحابة بعد وفاة رسول الله صلى الله عليه وسلم على نصب الإمام .

وقد ذكرنا الأخبار في ذلك في " كتاب الفضائل " [ ص: 463 ]

وروينا عن ابن عمر قال قيل لعمر رضي الله عنه : ألا تستخلف ؟ قال : إن أترك فقد ترك من هو خير مني رسول الله صلى الله عليه وسلم وإن أستخلف فقد استخلف من هو خير مني أبو بكر .

وروينا عن شقيق بن سلمة قال قيل لعلي رضي الله عنه : استخلف علينا فقال : ما استخلف رسول الله صلى الله عليه وسلم فأستخلف ؟ ولكن إن يرد الله بالناس خيرا أجمعهم على خيرهم كما جمعهم بعد نبيهم على خيرهم .

وفي هذا دلالة على عدم النص من النبي صلى الله عليه وسلم على الإمام بعده مع عدم ظهوره وانتشاره ولو كان موجودا لانتشر وظهر كالقبلة وإعداد الصلاة وغيرهما مما تعم به البلوي ويجب على الأعيان وحين لم يكن نص استدلوا بأمر النبي صلى الله عليه وسلم أبا بكر بالصلاة بالمسلمين في مرضه على إمامته مع ما عرفوا من أهليته وكفاءته واستجماعه شرائط الإمامة وبالله التوفيق .

التالي السابق


الخدمات العلمية