الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
[ 6276 ] أخبرنا أبو عبد الله الحافظ ، أخبرنا مكي بن بندار الزنجاني ببغداد ، حدثنا [ ص: 70 ] أبو عبد الله الفضل بن عبد الله بن الفضل الهاشمي ، حدثنا أحمد بن جعفر السامري ، حدثنا إبراهيم بن الأطروش ، قال : كان معروف الكرخي على الدجلة ونحن معه ، إذ مر بها أقوام أحداث في زورق يغنون ويضربون بالدف ، فقلنا له : يا أبا محفوظ أما ترى هؤلاء في هذا البحر يعصون الله عز وجل ؟ ادع الله عليهم ، قال : فرفع يده إلى السماء فقال اللهم إلهي وسيدي اللهم إني أسألك أن تفرحهم في الآخرة كما فرحتهم في الدنيا ، فقال له أصحابه : إنا سألناك أن تدعو عليهم ، ولم نسألك أن تدعو لهم ، فقال : إذا فرحهم في الآخرة تاب عليهم في الدنيا ولم يضركم شيئا .

قال الإمام أحمد رحمه الله : ومن هذا الباب قول الله عز وجل :

( يا أيها الذين آمنوا لا يسخر قوم من قوم عسى أن يكونوا خيرا منهم ولا نساء من نساء عسى أن يكن خيرا منهن ولا تلمزوا أنفسكم ولا تنابزوا بالألقاب بئس الاسم الفسوق بعد الإيمان ومن لم يتب فأولئك هم الظالمون يا أيها الذين آمنوا اجتنبوا كثيرا من الظن [ إن بعض الظن إثم ) قرأها ] إلى قوله : ( لحم أخيه ميتا فكرهتموه ) .

فاشتملت هذه الآية على تحريم الاستهزاء والسخرية ، وتحريم اللمز ، وهو العيب والوقيعة ، ومعنى ( ولا تلمزوا أنفسكم ) : أي لا يلمز بعضهم بعضا ، وتحريم التنابر بالألقاب : هو أن يدع الواحد أن يدعو صاحبه باسمه الذي سماه أبوه ، ويضع له لقبا يريد أن يشينه به أو يستذله فيدعوه به ، ثم قال ( بئس الاسم الفسوق بعد الإيمان ) .

فأبان أن فعل هذه المحظورات فسوق بعد الإيمان ، والإيمان يوجب مواصلة إمداده لا الاعتراض على الموجود منه بما لا يليق به ، ثم قال : ( ومن لم يتب فأولئك هم الظالمون ) : [ ص: 71 ] أي هم الظالمون أنفسهم بسوقها إلى النار والعذاب الأليم ، ثم قال : ( يا أيها الذين آمنوا اجتنبوا كثيرا من الظن إن بعض الظن إثم ) فأبان أن ظن القبيح بالمسلم كهمزه ولمزه ، والسخرية به والهزء به ، ونهى عنه ، وأخبر أنه إثم ، ونهى عنه وعن التجسس وهو تتبع أحواله في خلواته ، وجوف داره ، والتعرف لها فإن ذلك إذا بلغه ساءه وشق عليه فكان التعرض له من باب الأذى الذي لا يوجب له ، ولا مرخص فيه ، وبسط الكلام فيه .

قال : ثم نهى عن الغيبة .

قال ثم نهى عن الغيبة فقال : ( ولا يغتب بعضكم بعضا ) أي لا يذكره وهو غائب عنه بما لو كان حاضرا يسمعه شق عليه ، وشبه الاغتياب بأكل لحم الميت بأن الميت لا يشعر بأن يؤكل لحمه ، كما لا يشعر الغائب بأن يثلب عرضه ، ولا ينبغي لمسلم أن يصاخب مسلما ولا أن يغلظ له قولا ولا أن يتعرض لمساءته ولا أن يبهته وروي فيه أحاديث ونحن نأتي إن شاء الله على ما حضرنا من ذلك وزيادة لائقة به بتوفيق الله عز وجل " .

التالي السابق


الخدمات العلمية