الفصل الرابع
تحقيق التراث العسكري العربي الإسلامي ونشره
[1] أهمية التحقيق والنشر:
التراث لغة: هـو ما ورث، وقد ورث العرب والمسلمون عن أجدادهم من جملة ما ورثوا، مؤلفات قيمة في شتى مجالات العلوم والآداب والفنون، فاستطاع الناشرون إخراج كثير من المؤلفات العلمية والأدبية والفنية القيمة إلى الناس محققة تارة وبدون تحقيق تارة أخرى.
وفي الوقت الذي حظي كثير من التراث العربي الإسلامي الأصيل بالتحقيق والنشر، فإن حظ تحقيق التراث العسكري العربي الإسلامي بقي [ ص: 81 ] عاثرا، فلم يحقق حتى اليوم غير عدد محدود من التراث العسكري العربي الإسلامي العريق.
وإعادة كتابة المعارك العربية الإسلامية بشكل واضح وأسلوب حديث، بحاجة ماسة إلى تحقيق التراث العربي الإسلامي ونشره؛ لأنه يعين على تفهم سير القتال في المعركة وطريقة توزيع قوات الجانبين في تشكيلات تعبوية، وطريقة عمل كل تشكيل قتالي في المعركة، كما يعين على شرح الأسلحة التي استخدمها الجانبان في المعركة، ومزايا تلك الأسلحة، وأسلوب عملها في القتال.
ولعل تحقيق التراث العسكري العربي الإسلامي، يكمل إعادة كتابة التاريخ العسكري العريق الإسلامي وإعادة كتابة العسكرية الإسلامية بأسلوب واضح جديد.
ولقد انتصر المسلمون الأولون بعقيدتهم الراسخة، ولكن معلوماتهم العسكرية النظرية والعملية كانت على درجة رفيعة جدا من التقدم والرقي.
ولم تكن المعلومات مدونة في الكتب أيام الفتوح واستعادة الفتوح، ولكنها دونت في العصر العباسي.
أما السلف الصالح من الفاتحين، فقد كانوا قبل عصر التدوين، يتلقون المعلومات العسكرية العملية والنظرية خلفا عن سلف، ويمارسون تلك المعلومات العسكرية عمليا في ميدان القتال، والممارسة العملية خير مدرسة كما هـو معلوم.
وبعد تدوين العلوم العسكرية في العصر العباسي وفي العصور التي جاءت من بعده، أصبحت للعرب مؤلفات عسكرية مدونة، فورثها أبناؤهم تراثا عسكريا إسلاميا أصيلا من المؤلفات العسكرية التي [ ص: 82 ] لا تقل أهمية عن كتب التراث الأخرى في العلوم والآداب والفنون.
والتراث العسكري العربي الإسلامي جزء من الحضارة العربية الإسلامية، وهذه جزء من الحضارة العالمية.
وتحقيق التراث العسكري العربي الإسلامي ونشره، خدمة كبيرة للحضارة العربية الإسلامية وللحضارة العالمية أيضا.
فلا ينبغي إهمال هـذا التراث، إذ لا يزال ينتظر من يحققه وينشره بين الناس.