الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
[ ص: 155 ] قوله ( وإن غصب عبدا فخصاه : لزمه رده ورد قيمته ) . وكذا لو قطع يديه ، أو رجليه ، أو لسانه ، أو ما تجب فيه الدية كاملة من الحر . فإنه يلزمه رده ورد قيمته . ونص عليه الإمام أحمد . وعليه الأصحاب . قال الحارثي : فيه ما في الذي قبله من الخلاف . غير أنه لا يتأتى القول بأكثر الأمرين . لاستغراق القيمة في المقدر ، وإن لم تنقص القيمة بالخصاء . فعلى القول بالمقدر : يرده ومعه قيمته . وعلى القول بما نقص : لا يلزمه شيء . انتهى . قوله ( وإن نقصت العين ) أي : قيمة العين ( لتغير الأسعار : لم يضمن . نص عليه ) . وهو المذهب . وعليه جماهير الأصحاب . ونص عليه . قال الحارثي : هذا المذهب وعليه التفريع . قال الزركشي : اختاره الأصحاب ، حتى إن القاضي قال : لم أجد عن الإمام أحمد رحمه الله رواية بالضمان . وجزم به في الوجيز ، وغيره . وقدمه في الفروع وغيره عنه : يضمن . اختاره ابن أبي موسى ، والشيخ تقي الدين رحمه الله . قاله في الفائق ، ورده الحارثي .

وقيل : يضمن نقصه مع تغير الأسعار إذا تلف . وإلا فلا . وقال الحارثي بعد أن حكى الروايتين : وهذا كله ما لم يتصل التلف بالزيادة . فإن اتصل ، بأن غصب ما قيمته مائة ، فارتفع السعر إلى مائتين ، وتلفت العين : ضمن المائتين . وجها واحدا . إذ الضمان معتبر بيوم التلف . وإن كان مثليا : فالواجب المثل بلا خلاف . وقال في التلخيص : لو غصب شيئا يساوي خمسة ، فعادت قيمته إلى درهم ، ثم تلف : لزمه خمسة . وهذا على اعتبار الضمان بحالة الغصب . [ ص: 156 ] قال الحارثي : وهو قول ضعيف . وليس بالمذهب . وإنما استرسل إليه من كلام بعض المخالفين . ولو تلف نصف العين بعد العود إلى درهم . فرجع الباقي إلى نصف درهم : رد الباقي ومعه قيمة التالف نصف درهم . وفي التلخيص : يرد درهمين ونصفا . وليس بالمذهب ، كما قلنا . قال الحارثي : وإنما أوردته تنبيها . قوله ( وإن نقصت القيمة لمرض ، ثم عادت ببرئه : لم يلزمه شيء ) . وهو المذهب . جزم به في المغني ، والشرح ، والفائق ، والوجيز ، والحارثي ، والرعاية الصغرى ، والحاوي الصغير ، وغيرهم من الأصحاب . وقدمه في الفروع . وقال : ونصه يضمن . وحكى الحارثي وجها للشافعية بالضمان . قال : وهو عندي قوي بل أقوى . ورد أدلة الأصحاب .

والظاهر : أنه لم يطلع على ما ذكره صاحب الفروع من النص . فهذا يقوي قوله . وربما كان المذهب وقدمه في الرعاية الكبرى . وقال : نص عليه .

فائدة : لو استرده المالك معيبا مع الأرش . ثم زال العيب في يد مالكه . فقال المصنف ، والشارح ، وغيرهما : لا يجب رد الأرش . لاستقراره بأخذ العين ناقصة . وكذا لو أخذ المغصوب بغير أرش ، ثم زال في يده : لم يسقط الأرش كذلك قال الحارثي : وما يذكر من الاستقرار فغير مسلم . قال : والصواب إن شاء الله الوجوب بقدر النقص الحادث في المدة . ويجب رد ما زاد إن كان . [ ص: 157 ]

قوله ( وإن زاد من جهة أخرى مثل إن تعلم صنعة فعادت القيمة : ضمن النقص ) . وهو المذهب . جزم به في الهداية ، والمذهب ، والمستوعب ، والخلاصة ، والمغني ، والشرح ، والحارثي ، والفائق ، والوجيز ، وغيرهم . وقدمه في الفروع . وقيل : لا يضمنه . قوله ( وإن زادت القيمة لسمن ، أو نحوه ثم نقصت : ضمن الزيادة ) . وهو الصحيح من المذهب . قال في الفروع ، والرعايتين : ضمن على الأصح . وجزم به في الوجيز ، وغيره . وقدمه في المغني ، والشرح . ونصراه ، والتلخيص ، والحارثي ، والحاوي الصغير ، وغيرهم . وقاله الخرقي ، وغيره . عنه : إذا رده بعينه : لم يلزمه شيء . ذكرها ابن أبي موسى . وهما وجهان مطلقان في الفائق . قوله ( وإن عاد مثل الزيادة الأولى من جنسها ) . مثل : إن كانت قيمتها مائة . فزادت إلى ألف لسمن ونحوه . ثم هزلت فعادت إلى مائة ، ثم سمنت فزادت إلى ألف ( لم يضمنها في أحد الوجهين ) وهما احتمالان للقاضي في المجرد . وأطلقهما في الهداية ، والمذهب ، والمستوعب والخلاصة ، والمغني ، والشرح ، والتلخيص ، والفروع ، والحاوي الصغير .

أحدهما : لا يضمنها . وهو المذهب . قال الحارثي : هذا المذهب لنصه في الخلخال يكسر ؟ قال : يصلحه أحب إلي . وهو أحد صور المسألة . وصححه في التصحيح . قال المصنف ، والشارح : هذا أقيس . وجزم به في الوجيز . [ ص: 158 ]

والوجه الثاني : يضمنها . قال في الرعايتين ، والفائق : ضمنها في أصح الوجهين . وقدمه ابن رزين في شرحه .

قوله ( وإن كانت من غير جنس الأولى : لم يسقط ضمانها ) . وهو الصحيح من المذهب . وعليه أكثر الأصحاب . وجزم به في التلخيص ، والوجيز ، والرعايتين ، والحاوي الصغير ، وغيرهم . وقدمه في الفروع ، والحارثي . وقال : هذا المذهب وقيل : يسقط الضمان . ذكره ابن عقيل . وأطلقهما في الشرح .

فائدة : من صور المسألة : لو كان الذاهب علما أو صناعة ، فتعلم علما آخر أو صناعة أخرى قاله الحارثي . وقال المصنف ، والشارح : هو كعود السمن . يجري فيها الوجهان . قال الحارثي : والصحيح الأول .

التالي السابق


الخدمات العلمية